بيروت - لبنان

اخر الأخبار

22 حزيران 2021 05:57ص تقرير عن مصارف لبنان في ثمانينيات الحرب حذر من دعم سعر الصرف وهدر الاحتياطي

حجم الخط
خلال الحرب اللبنانية, كان لبنان وخصوصا العاصمة بيروت، قد بدأ يفقد دوره كمركز للخدمات المصرفية والتجارية في منطقة الشرق الأوسط وكانت هذه الخدمات قبل الحرب تؤمّن ثلثي الدخل المحلي الإجمالي والقطاعات المنتجة تؤمّن الثلث الباقي، والمصارف والمؤسسات التجارية الأجنبية أخذت تنهي أعمالها في بيروت، ومعظم المصارف الأجنبية في أوروبا والولايات المتحدة واليابان ترفض قبول ضمانات المصارف اللبنانية ما لم تكن اعتماداتها المستندية معززة من قبل مصارف أخرى (أو كما يقال في لغة المصارف Confirmed Letters Of Credit) أو مغطاة بكاملها بالعملة الأجنبية وهو أمر مكلف ومصدر قلق للسلطات المصرفية والنقدية اللبنانية... في تلك الفترة تلقيت من الخبير المصرفي والمالي الدكتور طلحة اليافي، خريج الاقتصاد من جامعة ويسكونسن الأميركية (وكان يتولّى في حينه رئاسة المصرف الوطني للإنماء الصناعي والسياحي) تقريرا تضمن توصيفا لقطاع المصارف اللبنانية الذي كان يمرُّ بظروف سيئة أقل سوءا بالطبع مما هي عليه الآن، لكنها مع ذلك كانت تعاني من خسائر جسيمة من جراء القروض الممنوحة للقطاع الخاص المتضرر من تداعيات الحرب، ويعاني من نقص السيولة ولا يستطيع الحصول على قروض وتسهيلات مصرفية إلا لقاء ضمانات عينية توازي أو بقيمة أكبر من قيمة القرض.

وأهمية التقرير انه لا يكتفي بتشخيص المرض بل يطرح مقترحات بعضها له أهمية في معالجة الأوضاع المصرفية التي يشهدها لبنان اليوم، ومنها:

١- ان على مصرف لبنان أن يعيد ترتيب أوضاعه الداخلية ويعتمد أحدث الآليات في مواجهة الظرف الطارئ، ويطعّم أجهزته البشرية بأفضل الكفاءات والاختصاصات في مجال المصارف المركزية وأن تتحوّل طريقة عمله من جهاز مصرفي في خدمة الحكومة الى سلطة نقدية تضبط العمل المصرفي وتلعب دورها الرئيسي في تحقيق التنمية وفرص العمل وتقوية العملة الوطنية. وأن تتم الاستعانة بهذه الكفاءات في المساهمة برسم سياسة المصرف العامة وفي تحديث دوائره على أساس الخبرة والكفاءة فقط دون أي اعتبارات سياسية أو طائفية.

٢- تشجيع دمج المصارف الصغيرة التي تفتقر الى الإدارة الحسنة، بما يؤدي الى إعادة تكوين النظام المصرفي وتجنيبه الانحرافات والخضات المستقبلية عبر قيام مصارف قوية على أسس متينة بحيث لا يزيد العدد في بلد صغير مثل لبنان عن ٣٠ مصرفا بدل الـ٩٠ مصرفا (في حينه) أكثرها ضعيف كما في توصيف التقرير الذي يشير الى ان إجمالي الأصول لجميع المصارف اللبنانية بلغ 3,8% عام ١٩٨٣ ثم انخفض الى 3,4% عام ١٩٨٤ والى 2,3% عام ١٩٨٥، وهي نسبة تعتبر متدنية جدا ويجب العمل على رفعها تدريجيا في السنوات القليلة المقبلة بحيث تتراوح بين ٦ و٧% كما هي في معظم دول العالم.

٣- تقوية المصارف المتخصصة في تمويل الصناعة والزراعة، عن طريق اعتبار مساهمة المصارف التجارية في رأسمالها كجزء من الاحتياطي الإلزامي مما يسهّل للمصارف التجارية الاكتتاب في رأس مال المصارف المتخصصة دون عبء يذكر على المصارف المكتتبة.

٤- إعطاء الأولوية القصوى للحفاظ على الاحتياط الرسمي من العملات الأجنبية التي بلغت في أواسط تشرين الأول ١٩٨٦ نحو ٥٦٠ مليون دولار(!) مع الأحجام عن محاولة تثبيت سعر صرف الليرة اللبنانية بالنسبة للدولار في حدود متقاربة في السوق المحلية، إذ منذ الخمسينيات ولبنان يعتمد نظام سعر الصرف العائم Floating Rate System وهو النظام الذي تحدده عوامل العرض والطلب. أما في حال تأكد السلطات النقدية من أن ثمة عمليات مضاربة تقوم بها بعض المصارف والمضاربين المحليين، فعندها يكون على المصرف المركزي التدخّل بشكل محدود للقضاء على تأثير القوى المضاربة.

٥- ان مصرف لبنان ارتكب خطأ خلال عامي ١٩٨٤- ١٩٨٥ في محاولة منه تثبيت سعر صرف الليرة اللبنانية بالنسبة للدولار بحيث خسر حوالي ٦٠٠ مليون دولار في غضون ١٨ شهرا، وقد جاءت محاولته هذه في وقت كان الطلب خلاله على الدولار في ذروته في جميع الأسواق المالية في العالم. وهذه المحاولة لم تكن مجدية وجاءت متعارضة مع القوى الفاعلة في الأسواق المالية الدولية ولم تتمكن من منع الليرة اللبنانية من بلوغ قيمتها الحقيقية.

٦- وباختصار أن ما يقرر قيمة نقد لبنان هو وضع ميزان مدفوعاته. فبقدر ما يكون اقتصاده قويا وموارده من العملات الأجنبية مرتفعة بذلك المقدار يتحسن وضع ميزان مدفوعاته ويتحسن سعر صرف عملته الوطنية في نظام سعر الصرف العائم والعكس بالعكس.

٧- وبناء على هذا المنطق البسيط، من الواضح ان نظام سعر الصرف العائم يمكّن سلطات لبنان النقدية من الحفاظ على موجوداته الرسمية من العملات الأجنبية دون أي استنفاد كبير ينشأ نتيجة عوامل واعتبارات أخرى أهمها: دعم شراء القمح والمحروقات والأسلحة والأعتدة العسكرية وعجز موازنة الدولة عن طريق بيع الاحتياطي في البنك المركزي بدلا من أن يكون الدعم من واردات خزينة الدولة أو من اقتراض الخزينة الداخلي عند الضرورة مع تقليل تمويل هذه المصاريف غير المنتجة الى الحد الأدنى.

٨- فإذا وضعت الدولة اللبنانية «فرملة» لتمويل هذه المصاريف غير المنتجة ونجحت في الحفاظ على احتياطها الرسمي من العملات الأجنبية، والضرورة حتمت اللجوء الى الاقتراض من صندوق النقد الدولي وصندوق النقد العربي، يمكن عندها تقديم دراسة مجدية الى هاتين المؤسستين يصار الى التركيز فيها على الوضع العام لميزان مدفوعات الدولة على أن يستعمل التمويل المطلوب بكامله لمساعدة وتنشيط الاقتصاد الوطني وخصوصا القطاعات الحيوية كالكهرباء والهاتف وسائر البنية التحتية.

ان كل عضو في صندوق النقد الدولي لجأ الى مثل هذا النوع من الاقتراض وبمعدلات ميسّرة، ولا نرى أي سبب مهما كان يبرر تقاعس الدولة اللبنانية عن توفير الشروط الملائمة لاستعمال هذه الحقوق والامتيازات.