بيروت - لبنان

اخر الأخبار

14 شباط 2020 12:19ص دول تسدد استحقاقاتها من واردات موازناتها ودولة تستنزف بسنداتها احتياطي ودائع شعبها!

حجم الخط
قبل أن يتولى الوزير د. غازي وزني مسؤولية وزارة المال، استشرف الأزمة الحالية في ندوة عقدت قبل الحراك الشعبي بحوالي نصف عام، بالقول «اننا أمام مخاطر كبيرة تمس الاستقرار المالي والنقدي. وإذا لم نعالج وضع المالية العامة، فإن الانعكاسات ستكون صعبة جداً على الإستقرار النقدي في العام ٢٠٢٠.. وثمة عوامل عدة أثرت على الاستقرار والرهان عليها ليس مضمونا، وأهمها التدفقات المالية الأجنبية والاستثمارات الأجنبية والصادرات الصناعية والحركة السياحية، لا سيما ان احتياطيات مصرف لبنات تراجعت خلال الشهور الماضية.  واذا لم يتم ضبط العجز في الموازنة ستتجاوز نسبته 13,5% مقابل أكثر من ١١% عام ٢٠١٨ وقد لاحظنا ان أرقامه ليست دقيقة، فقد تجاوز العجز الـ٧ مليارات دولار».

والآن عندما تجري المقارنة بين لبنان والدول التي سعت وتسعى الى اعادة هيكلة استحقاقات سنداتها، فإن تلك الدول ـ وعكس لبنان ـ تدفع سنداتها عادة من موارد موازناتها الضريبية المباشرة وغير المباشرة. بينما الدولة اللبنانية يدفع البنك المركزي سنداتها  - المسماة  «سيادية»!! من احتياطيات المصارف. أي ان المصارف التي بحوزتها سندات يوروبوندز بـ١٥ مليار دولار من أصل اجمالي السندات ٣٠ مليار دولار (منها حوالي ٥ مليارات بحوزة مصرف لبنان وحوالي ١٠ مليارات بحوزة أطراف خارجية) ستحصل في حال تسديد السندات من قبل مصرف لبنان، على سيولة من أموالها المودعة (أي أموال المودعين) لدى مصرف لبنان!

  وبالتالي هناك فارق كبير بين دول تعيد هيكلة استحقاقاتها من وارداتها مثل الأرجنتين واليونان وقبرص وأوكرانيا وبورتوريكو وسواها، والدولة اللبنانية التي تسدد سنداتها من أموال الودائع لدى مصرف لبنان، وهي التي - لا سيما خلال الأزمة الحالية - لم تعد تحصل على سيولتها من ودائع أو تحويلات جديدة من خارج لبنان، الا نادرا، وانما مما لديها من ودائع تلبي بها حاجات الدولة من سندات وعجوزات موازنات.

وأمام هذه الأعباء المتزايدة، جاء بيان جمعته المصارف قبل أيام طالباً الى الدولة (التي ستطلب الى مصرف لبنان)! تسديد الاستحقاق الداهم في آذار المقبل بـ1,2 مليار دولار كي تحصل المصارف على سيولة اضافية فورية، ولو على حساب خفض الاحتياطيات الإلزامية -  وغير الإلزامية -  لدى مصرف لبنان. والا - في حال قررت الدولة اعادة الهيكلة - سوف تلجأ المصارف أما الى خفض معدلات السحوبات الأسبوعية أكثر مما خفضت حتى الآن، وأما الى تقليص حجم الاعتمادات المستندية الاستيرادية بما يؤدي الى ندرة السلع لا سيما المعيشية وارتفاع أسعارها الى معدلات قياسية وبما يهدد بخفض كبير في القوة الشرائية لمداخيل اللبنانيين بالليرة من عمال وأصحاب عمل، وأما الى زيادة الضغط من قبل المصارف على الشركات والمؤسسات والأفراد المدينين، كي يسارعوا الى تسديد القروض المتوجبة عليهم، الأمر الذي سيضغط من ناحية ثانية على الاقتصاد ويزيد من حدة الركود، ومن موجة التسريحات العمالية التي طالت أكثر من ٢٢٠ ألف وظيفة خلال الشهور الأربعة الماضية، فضلا عن خفض الرواتب والأجور والاضطراب في دفعها في مواعيدها المحددة. ومع ذلك يبقى الجدال وشد الحبال قائما. هل الحل في الدفع أم اعادة الهيكلة؟! 

حتى الآن ما يبدو من الاتصالات الجارية مع صندوق النقد الدولي، هو اعادة الهيكلة أو  ربما اقتصار الدفع على استحقاق آذار واعادة هيكلة استحقاقات نيسان وحزيران، وفي عملية هي بداية ونهاية، مجرد «شراء وقت» ولو بأكلاف عالية مالية (وربما سياسية) في الاطلالات الأولى للحكومة الجديدة. علما ان الدفع، بدل الهيكلة، اذا كان سيرضي المصارف لجهة حصولها على سيولة اضافية، أو تجنباً لعمليات يدمج بها صغيرها بكبيرها، فإنه سيؤدي الى المزيد من استنزاف احتياطيات مصرف لبنان ومن نقص السلع الأساسية وغير الأساسية، وارتفاع أسعارها بما يحرك الحراك الشعبي الى المزيد من الحراك، والى تعريض موازنة  العام٢٠٢١ الى المزيد من العجوزات، والى الليرة اللبنانية في الرواتب والأجور وأكلاف المعيشة الى المزيد من الضغوطات .