وصف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة خبر «رويترز» عن احتمال استخدام جزء من الاحتياطي الالزامي لودائع العملات الأجنبية بأنه «عارٍ عن الصحة» مشيرا الى «ان أي خفضا للاحتياطي إذا حصل يعود لأصحاب الودائع في مصرف لبنان وهم أصحاب المصارف وليس لأي غرض آخر».
نفي سلامة لخبر الوكالة أبعد التكهنات التي سادت الأسواق أمس وزادت في قلق المودعين حول إجراء كان من شأنه أن يشكّل «خطوة ناقصة» في طريق خطر - حتى ولو ربما استدعته ضرورة مواصلة دعم المواد المعيشية الأساسية للمواطن المرهق بالغلاء والوباء - وذلك لأسباب ومسببات عدة، منها:
أولا: ان الاحتياطي الالزامي يحتفظ بقيمته وقوته بقدر ما تحتفظ المصارف لديها عند الضرورة بمخصصات تضيفها الى الاحتياطي الالزمي تحميها في أوقات الشدائد من مخاطر الديون الهالكة أو المشكوك بتحصيلها. وفي حال عدم وجود هذه المخصصات الاضافية الوقائية لدى هذه المصارف، فان زيادة الاحتياطيات الالزامية لدى البنك المركزي تصبح ضرورية وفي غاية الأهمية بهدف التخفيف من تأثيرات المخاطر والاحتمالات السلبية لهذه الديون على سيولة المصارف وأموال المودعين.
وفي حال لبنان الآن فان حجم الديون الهالكة أو المشكوك بتحصيلها يتزايد في ظل الأزمة الاقتصادية والسياسية والوبائية المستعصية، ولا سيما الديون المستحقة للمصارف على الدولة اللبنانية الممتنعة اصلا عن الدفع. وبالتالي فان نسبة الـ١٥% الحالية من الأفضل زيادتها وتحصينها بالمزيد من القوة والمناعة؟!
ثانيا: أي جزء يقتطع من احتياطي المصارف هو بمثابة دين جديد يضاف الى حجم الدين الحالي المرتفع المتوجب على مصرف لبنان للمصارف التي أودعت أصلا هذا الاحتياطي من أموال المودعين لديها. وسيزيد بالتالي قلق المودعين على ودائعهم حتى قبل خفض نسبة الاحتياطي - إذا حصل - فكيف بعده؟!
ثالثا: ان الفكرة الأساسية التاريخية من فرض احتياطي الزامي على الودائع لدى المصارف هي أولا: الحد من عملية «خلق النقد» Money Creation من قبل المصارف عبر التوسع Multiplier في التسليف الى الحد الاقصى الذي يزيد معدلات التضخم وفي المخاطر النقدية، وثانياً: اقتطاع جزء من الاحتياطي الالزامي لانفاقها على الاستيرادات الاستهلاكية بدلا من تعزيز الطاقة الانتاجية، سيزيد عوامل التضخم ويضعف القوة الشرائية لليرة اللبنانية.
ثالثا: مع تناقص الاحتياطي الالزامي لودائع المصارف مقابل استمرار وربما تزايد الديون الهالكة أو المشكوك بتحصيلها، وبعد امتناع الدولة اللبنانية عن تسديد سنداتها للمصارف وللمؤسسات الاستثمارية المحلية والخارجية، تقفل الطريق الى الصناديق للحصول على قروض دولية أو عربية، وتفتح طريق المزيد من الأزمات الاقتصادية والانهيارات الاجتماعية والأمنية. ويترك الباب واسعا أمام المضاربة بالدولار الذي عندها «لن يعرف حدّه ليقف عنده»!