بيروت - لبنان

اخر الأخبار

14 تموز 2020 07:23ص سوق سوداء؟ أم رمادية أو بيضاء؟

حجم الخط
السلطة تلاحق أمنيا وقضائيا «سوقا سوداء» هي من صنع السلطة نفسها، منذ أن قلّصت كميات الدولار الى ما يشبه «الاختفاء»، حتى بات اللبنانيون يبحثون بما يشبه مصباح الفيلسوف «ديوجين»، عن دولار نادر بات يطلق عليه تجاوزا اسم «دولار لبناني» في بلد مدولر ٧٥% في سوق تتغيّر بين سوداء وبيضاء أو رمادية، حسب درجة العرض والطلب ونوع المادة التي يجري التداول بها. فإذا كانت سلاحا أو مخدرات أو لعمليات ارهاب، تتوشح عندها بلون شديد السواد، وأما إذا كانت من تخزين مخطط ومتعمد Hoarding بكميات كبرى يصار بعدها الى إنزالها في السوق وتحقيق أرباح طائلة تصبح في هذه الحالة أقرب الى الرمادية منها الى السواد وبعقوبات جزائية أقل قد يمكن التخفيف منها إذا ثبت ان الغاية منها تحقيق أرباح في اقتصاد حر ودون الإساءة الى الصالح العام.

وأما في حال أن تخزينها بسعر معيّن تحوطا لتغيّرات المستقبل على أمل بيعها في السوق بسعر أعلى ولو خارج المصرف أو الصراف، فهذه السوق ليست سوداء ولا حتى رمادية، إذا كان الغرض منها «دولارك الأزرق ليومك الأحمر» أو الأخطر، وقد تكون سوقا بيضاء إذا كان الغرض منها العلاج أو الدراسة أو حتى لتجنّب ارتفاع أسعار سلع عجزت الدولة عن ضخ كميات كافية منها وسارع الناس الى الحصول عليها بأسعار صرف مختلفة عن السعر الرسمي في سوق حرة تسمّيها «سوداء» حكومات هي الغارقة في سواد مظلم تفرض القيود على ما تبقى من أموال هدرتها أو بذرتها أو نهبتها، وعكس حكومات تفرض القيود فقط في ظروف استثنائية قاهرة أو خارج السيطرة، كما حصل خلال الحربين العالميتين: الأولى والثانية، عندما اضطرت الحكومات الى تقنين السلع الضرورية بواسطة حصص تموينية من طحين وأرز وسكر ودواء وعملات وسواها، ما أدّى الى نشوء «سوق سوداء» اشتق اسمها من «العتمة» أو «الغرف المظلمة». (ولو ان البعض يعيد الاسم الى التجارة بالرقيق من ذوي البشرة السوداء) وبطرق اختلفت النظرة اليها بين أداة تخنق السوق وتفرغ جيب المستهلك، أو فسحة هواء  طبيعية يواجه بها المستهلك حكومة تضيق عليه أنفاسه بشح العرض وارتفاع الأسعار عبر التداول في سوق يرفض الكاتب Robert Neuwirth وصف كل حالاتها بـ «السوداء»، في كتابه «Stealth of Nations -the globalization of the informal Economy» ويعتبرها نوعا من «تدبر الأمر تحت رادار السلطة» تخلصا من سياسات فاشلة لحكومات تسببت لمواطنيها بركام من المخاطر والصعوبات. وكما هي في الغالب حال حكومات لبنان.