بيروت - لبنان

اخر الأخبار

23 شباط 2021 06:37ص مشروع اقتطاع نسبة من بعض الودائع لخزينة الدولة بشعار «التضامن الوطني»

حجم الخط
النص الوارد في المادة ٣٧ من مشروع قانون موازنة ٢٠٢١ باقتطاع إلزامي يتراوح بين ١ و1,5 و٢% من ودائع الدولار والليرة بسقوف محددة، يخالف الدستور الذي يحمي «الملكية الخاصة» ويتناقض مع «مبدأ القانون العام» الذي يمنع وضع اليد على أي مال خاص، إلا إذا ثبت قضاء وحكما انه مكتسب بصورة غير قانونية، وهو ما لا ينطبق بالطبع على كل الودائع المصرفية التي ألزم مشروع القانون أصحابها أن يدفعوا منها الى خزينة الدولة النسبة المفروضة عليهم في الموازنة وخلال مدة محددة «أقصاها شهرين» من تاريخ تصديق الموازنة، كما جاء في مشروع القانون الذي برغم أنه يساهم بنسبة، ولو بسيطة، في علاج تقلص واردات الدولة، تحت بند «التضامن الوطني» كما جاء في الموازنة، إلا أن إيجابيات هذه الزيادة الضئيلة لا تقارن بسلبياتها على أي إيداعات أو إستثمارات مستقبلية في لبنان، لا سيما بعدما توقفت المصارف عن الوفاء بالتزاماتها تجاه المودعين وبعدما امتنعت الحكومة عن دفع استحقاقات «اليوروبوندز» ودرجت لأول مرة في لبنان، عبارات من نوع الـHAIR CUT والـCAPITAL CONTROL في بلد قليل الموارد الطبيعية مثل لبنان، احدى أهم ثرواته انه كان حتى الأمس القريب مصرف العرب وخزانة أموالهم وخزان استثماراتهم، متى تأثّرت الثقة به أو فُقدت، طارت الثروة وضاعت الفرص. وعلى طريقة عميد المسرح العربي الكبير يوسف وهبي في وصف عود الكبريت أنه لا يولع إلا مرة واحدة. هكذا الثقة متى فقدت لا تعود، وإذا ستعود تحتاج الى سنين طوال وربما أجيال.
وفي تاريخ لبنان القريب..
أحداث عدة ترمز الى مدى أهمية الثقة بالنقد وبالمصارف في بلد مثل لبنان (وصف بـ «مصرف كبير»، في كتاب صدر حديثا عن جامعة PRINSTON). أبرزها ما حدث يوما في عهد الرئيس كميل شمعون خلال الخمسينيات عندما تعرّض أحد المصارف المتوسطة الحجم بمساهمات لبنانية وعربية لأزمة سيولة، ورفضت المؤسسة المصرفية الفرنسية التي كانت تتولّى إصدار النقد في لبنان دعمه بقرض يحمي أموال المودعين، الأمر الذي أوجد بعض الهواجس تجاه القطاع المصرفي عموما طوّقها الرئيس شمعون يومها بإنذار هاتفي الى مؤسسة الاصدار بإنهاء أعمالها في لبنان إذا لم تدعم المصرف المعني بقرض يطمئن المودعين. وأعطي القرض يومها على الفور ودفنت الأزمة في مهدها في عملية انقاذ امتنع البنك المركزي قبل أكثر من ٥٠ عاما، عن إجراء مشابه لها لإنقاذ بنك انترا الذي أدّى انهياره الى أزمة ثقة كبرى امتدت تداعياتها عبر الأخبار والشائعات يومها الى مصرف أجنبي تولّى إنقاذ نفسه على طريقة «ما حك جلدك مثل ظفرك فتولّى أنت جميع أمرك»، وفي منظر مثير كيف ان المصرف الأجنبي بدلا من أن يقفل أبوابه، مدد فترة استقبال جماهير المودعين لغاية منتصف الليل. حتى ان المدير العام الأجنبي تولّى بنفسه أحد صناديق الدفع وأخذ يعيد الودائع للمودعين الذين بسبب هذا الإجراء الإداري والعامل النفسي والمعنوي تعززت ثقتهم بالمصرف وأعاد الجزء الأكبر منهم وديعته إليه منذ صباح اليوم التالي وعلى مدى أيام، وانتهت أزمة السيولة خلال ٢٤ ساعة عاد المصرف بعدها الى العمل وبقوة أكبر بفضل عامل أساسي واحد يفوق درجة السيولة والملاءة أهمية هو الثقة ثم الثقة... التي دوّنها لا اقتصاد ولا نقد ولا مصارف ولا مجتمع ولا دولة!