بيروت - لبنان

اخر الأخبار

25 نيسان 2020 09:05ص يوم قال جمال عبد الناصر لكمال جنبلاط: «حافظوا على مصارف لبنان»

حجم الخط
عبارة لافتة في البيان الصادر يوم الجمعة الماضي عن جمعية المصارف في صفحتين: «ان العبث بالقطاع المصرفي سيوجّه ضربة قاضية للاقتصاد اللبناني، وسيؤدّي الى تحويله من العمود الفقري للاقتصاد الى نقطة ضعف مزمنة للبنان المقيم والمنتشر.. والى تدمير هذا القطاع على غرار تجربة الدولة في كافة القطاعات التي تديرها.. فالقطاع المصرفي ليس ملكا للمساهمين فحسب بل هو أولا ملك مودعيه الذين وثقوا به وهو أخيرا ملك للاقتصاد الوطني» (انتهى نص العبارة).

وباختصار المصارف شأن عام أكثر مما هو شأن خاص، ويتوقف عليه الكثير من مصير الدولة والشعب، حيث لا مصارف ولا نقد، لا ودائع ولا ثقة، دون بيئة اجتماعية واقتصادية حاضنة بشعب صمد في وجه مختلف الحروب التي شهدها لبنان منذ العام ١٩٧٥ وما بعدها، ورغم الدمار والخسائر البشرية وانغلاق أبواب العبور وتجزئة الأسواق وغياب الدولة الفعلي وظهور الميليشيات والسطو على المرافيء وعائداتها على أملاك الدولة ومقوماتها، صمدت معه المؤسسات في مختلف القطاعات، وفي طليعتها المصارف التي يقول عنها «هاليمار شاخت» حاكم البنك المركزي الألماني بعد هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الأولى، ومنقذ «المارك» من انهياره الى حضيض ٢ ترليون مارك (!) مقابل كل دولار واحد(!): «ان فكرة النقد مرتبطة بفكرة الوطن».

وهذا القول ينطبق على نقد أي بلد وأي دولة وأي نظام رأسماليا كان أم اشتراكيا. والدليل انه خلال مرحلة الاشتراكية في مصر كتب زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي كمال جنبلاط في جريدة «الأنباء» العدد ١٤ تشرين الأول ١٩٦٧ عن القطاع المصرفي في لبنان: «... وعند حديثنا خلال اجتماعنا بالرئيس جمال عبد الناصر وبقيادة الثورة المصرية، واجهني الجميع باهتمامهم الشديد بمصير الوضع المصرفي في لبنان، لأن عليه يتوقف وضع اقتصاد الخدمات وسواها في اقتصاده. وقد أيّد الجميع موقفنا في الحزب الاشتراكي، وفي الجبهة، من قضية المصارف اللبنانية لأنه - على حد تعبير الرئيس الكبير (جمال عبد الناصر) - على لبنان كونه في الوقت الحاضر ليس لديه انتاج صناعي وزراعي متطوّر على حد تعبير الرئيس عبد الناصر، عليه أن يحافظ على الاقتصاد النامي للخدمات المصرفية والتجارية كي يستطيع أن ينمّي بها ذاته ويحافظ على مستواه الاقتصادي والاجتماعي».

(من المفيد الإشارة الى انه قبل بضع سنوات من افتتاحية كمال جنبلاط، زار العاصمة الجزائرية وفد من مصارف لبنان كنت في عداده، ووقع اتفاقية قرض مصرفي لبناني للجزائر.. وبالليرة اللبنانية. كما كتب سعيد عقل في تلك الفترة ان أحد مصارف لبنان «حرّر قرضا بالليرة اللبنانية مع الهند»!).

ويضيف كمال جنبلاط في افتتاحيته عن مصارف لبنان واقتصاد لبنان: «ان الرئيس عبد الناصر عُني كثيرا بدراسة الأنظمة الاشتراكية واسكندنافيا، ولم نستغرب نظرته الواقعية عندما أشار الى ضرورة اعتماد لبنان سياسة اقتصادية خاصة وواقعية على غرار أسوج ونروج وسواها من البلدان المتقدمة، حيث لكل بلد وفق قول الرئيس عبد الناصر، ظروف من المكان والزمان خاصة. وهكذا بالنسبة للبنان حيث لا تنطبق الأسس التي تبنّتها التجربة الناصرية الاشتراكية في الجمهورية العربية المتحدة».

وقد جاء كلام كمال جنبلاط يومها بعد أن عجزت الدولة اللبنانية عن انقاذ بنك انترا في العام ١٩٦٦، مضيفا: «الغريب ان جميع الناس في الخارج يهتمون بمصير المصارف اللبنانية، ما عدا ربما المسؤولين اللبنانيين أنفسهم. وقد التقينا بأكثر من عربي وأكثر من أجنبي يدركون هذه القضايا. وكان الجميع يستغربون كيف أن الدولة في لبنان لم تستطع حتى الآن أن تنقذ مصرفا من الإفلاس، وبالتالي أن تنقذ اقتصادا لها تجاريا من التوقف أو التقلص أو الانهيار. وبتخليص لبنان من هذه الورطة التي وقع فيها أرباب المال والاقتصاد».

والآن، وبعد حوالي ٥٣ عاما على مقال كمال جنبلاط، هل يمكن لدولة لبنان ووزرائها ذوي اختصاص، ومستشاريهم اللبنانيين والأجانب، ومعهم أرباب المال والاقتصاد، انقاذ قطاع مصرفي كان في الماضي البعيد والى الأمس القريب. مصرف العرب و«خزان مال» الشرق؟