تزهو مدينة جدة التاريخيّة بثقافتها وملامحها
وحضورها، الذي يتضمّن العديد من المواقع الأثريّة التي تعود إلى مئات السنين، وأحد
أبرزها "بيت نصيف"، الذي أقام فيه الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن
آل سعود، مع ما يميّزه من موقع فريد، وارتفاع بنيان، وأهميّة من الناحية التراثيّة
والثقافيّة، بحسب وصف المصوّر السعوديّ، تركي الجدعاني.
فقد اتخذ الملك عبد العزيز من "بيت نصيف"،
الذي بني قبل فترة تزيد عن 145 عامًا، مقرًا للسكن لمدة تصل إلى أكثر من 10
أعوام، وكان يستقبل في القاعة الكبيرة ضيوف الدولة، ويجلس فيها لسماع مطالب
المواطنين.
كما وقّع الملك عبد العزيز في ذلك البيت الأثريّ،
وفقًا لوكالة الأنباء السعوديّة "واس"، الكثير من الاتفاقيّات مع سفراء
ومندوبي مختلف البلدان، وزاره في البيت الكثير من الرؤساء والشخصيات المهمة
والعلماء والمفكّرين والأدباء.
نظرًا لهذه الأهميّة والمكانة، يقول أهل جدة إنّ
"من لم يزر بيت نصيف كمن لم يزر المدينة"، فالبيت الذي يرجّح أنّه أنشئ
في العام 1872م، يعدّ أحد معالم تاريخها المعاصر بمعماره المميّز والمختلف، وبثقله
السياسيّ.
بحسب مصادر تاريخيّة، فقد بناه "الشيخ عمر
أفندي" من حجارة وطين وخشب مستورد من الهند، وخشب سفينة إنكليزيّة غارقة
قبالة سواحل جدة، بما جعل منه "صديقًا للبيئة" تمتص جدرانه حرارة الساحل
ورطوبته.
ترجع تسمية البيت إلى مالكه الشيخ "عمر نصيف"،
وتبلغ مساحته 900 مترًا مربعًا، ويتألّف من 40 غرفة موزّعة على أربع طوابق، الدور
الأول منها مخصّص لاستقبال الضيوف والثاني لضيافتهم، والثالث سكن الأسرة، والدور
الرابع مكان الأنس عند الأمسيات صيفًا، إضافة إلى مكتبة اطّلاع واسعة وحمّام بخار
تسخّن مياهه بالفحم، وخزان مياه أمطار ضخم يكفي حاجة السّكان من المياه طوال العام.
لكن أهم ما يميّز البيت هو "السلم منخفض التدرّج" الذي يتيح الصعود
والهبوط من دون عناء.
يكمن جمال البيت في التناسق المعماريّ وواجهاته
الخارجيّة المصنوعة من الخشب، بالإضافة إلى أسقفه التي تتميّز بزخارف التصميم
الإسلاميّ الأصيل.
أمّا بالنسبة إلى تصميمه الداخلي، فجدرانه
تكتسيباللون الأبيض، مع وجود الكثير من النقوشات. كما تتميّز حماماته، ذات
المساحات المناسبة، بوجود قبة داخل كل حمام.
كذلك يحتضن بيت نصيف الكثير من التحف التي يعود
تاريخها إلى أكثر من 130 عامًا، كما تستخدم مجالسه كراسي ذات نمط تراثيّ من اللون
الأحمر، وهي تعرف باسم "كرويته".
يحيط بهذا المعلم الأثريّ، مواقع
تاريخيّة أخرى مجاورة له، أشهرها "عين فرج يسر، وبيت المتبولي، والمسجد
الشافعي"، ونظرًا
لأهميته الثّقافيّة والتاريخيّة أضافته منظمة الأمم المتحدة للتّربية والعلم
والثّقافة "اليونيسكو" إلى قائمة التراث العالميّ في 21 حزيران/ يونيو 2014.
بحسب موقع "Visit
Saudi"، تحوّل القصر إلى متحف ومركز ثقافيّ يضمّ
مجموعة من المدافع البرتغاليّة التي تعود للقرون الوسطى، والتي كانت تتواجد بالقرب
من شجرة ضخمة، قيل إنّها الشجرة الوحيدة في جميع أنحاء جدة في عشرينيات القرن
العشرين، ومنها تمّت تسمية بيت نصيف بـ "منزل الشجرة".
في حديثه مع موقع CNN بالعربيّة، يقول المصوّر السعوديّ،
الذي يميل إلى رصد مدينة "العشق"، جدة، بعدسة كاميرته إنّنا "لم
نشهد إغلاق أبوابه سوى خلال أوقات الترميم أو وقت الجائحة الحالية".
هذا وكانت صور الجدعاني قد لاقت إعجاب العديد من
الأشخاص، حيث استطاعت أن تكتشف زوايا وخبايا جميلة لهذا المعلم الجميل. واليوم،
يسعى المصور إلى توثيق جميع معالم جدة، وانتظار إنشاء المشاريع المعماريّة الجديدة
لجعل العالم يرى المدينة من عيونه.