بيروت - لبنان

اخر الأخبار

المملكة العربية السعودية

11 أيلول 2020 09:27ص متحف «الذهب الأسود».. السعوديّة تخلّد «قصّة السائل الثمين» بأعمال فنيّة مبتكرة

مقر المتحف في مركز الملك عبدالله للدراسات والبحوث البترولية (كابسارك) مقر المتحف في مركز الملك عبدالله للدراسات والبحوث البترولية (كابسارك)
حجم الخط

بعدما شكّل "النفط" عصب الحياة للبشريّة أجمع خلال العقود الماضية، خصوصًا دول منطقة الشرق الأوسط مثل الخليج والعراق وإيران، كشفت وزارة الثقافة السعوديّة عن مشروع فنيّ جديد بالشراكة مع وزارة الطاقة، بهدف توثيق تاريخ "الذهب الأسود"، عبر أعمال فنيّة يشارك في تحبيرها مبدعون من المنطقة العربيّة والعالم.

فبعد أن بات الزيت مصدر دخل رئيس لتلك الدول، بل وظلّ ضميرًا ظاهرًا ومستترًا في كثير من الحروب والنزاعات، وأيضًا في الازدهار والإعمار، طالب عدد من المهتمين بتخليد "السائل الثمين"، ودرس آثاره في حياة إنسان الجزيرة العربيّة بخاصة، حيث كان الاهتمام بـ "قصة الزيت العربيّ" في نظر أولئك أقلّ بكثير مما يوازي حجمه، مع نهوض شركة "أرامكو" السعوديّة منذ نشأتها، إلى جانب الدور الذي هو ثقافيّ في المقام الأول، وليس من صميم عملها في الإنتاج والتنقيب.

في هذا السياق، جاءت خطوة وزارة الثقافة السعوديّة بإنشاء متحف يغطي جانبًا من ذلك الفراغ، حين أعلنت مع نظيرتها وزارة الطاقة، إطلاق أول متحف دائم عن النفط بالشراكة مع مركز الملك عبد الله للدراسات والبحوث البتروليّة بعنوان "متحف الذهب الأسود"، يقام في تموز/ يوليو 2022 في مقر المركز في الرياض، بمشاركة فنانين من مختلف دول العالم.

مسيرة النفط في حياة البشر

سيقدّم المتحف من خلال محتوياته المتنوعة "سردًا إبداعيًا لمسيرة النفط في حياة البشر منذ أن كان مادة خامًا، وحتى تشكلاته المعاصرة، عبر أعمال فنيّة مبتكرة ترتكز على مفاهيم تعبيريّة معاصرة"، بحسب وزارة الثقافة.

يأتي المتحف ضمن برنامج "جودة الحياة" الذي أطلقته السلطات السعوديّة كأحد برامج رؤيتها 2030، وتحت مظلة مبادرة "المتاحف المتخصّصة" التي أعلنتها وزارة الثقافة، عبر حزمة تتضمن متاحف فنية متخصصة في مجالات إبداعية، سيتم إطلاقها تباعًا في عدد من مدن المملكة.

يهتم السعوديون عادة بإنشاء المتاحف الخاصة، إلى جانب الجهات الحكوميّة، إلا أنّ الاهتمام بذلك أصبح مضاعفًا في العهد الجديد، الذي يجتهد في إعادة الاعتبار للاقتصاد الثقافيّ والترفيهيّ، سواء عبر دور السينما أو المواقع السياحيّة التاريخيّة منها والحديثة.

متحف "الذهب الأسود" المنتظر، يقول القائمون عليه إنّه سيحوي أكثر من 200 عمل فنيّ معاصر، كما سيستضيف معارض سنويّة موقتة، وبرامج تعليميّة لجميع الفئات.

كما يتضمن مقر المتحف في مركز الملك عبد الله للدراسات والبحوث البتروليّة، القريب من مطار الرياض الدوليّ، مساحات فنيّة متنوعة تشمل مساحة ثابتة للفنون المعاصرة والعروض المرئيّة والوسائط المتعددة، إلى جانب مساحة موازية للمعارض الموقتة، ومتجر ومقهى، وقاعات للمؤتمرات ومساحات تعليميّة واستشاريّة.

رواية تاريخيّة وجيوسياسيّة

سيروي المتحف، بحسب المخطط له، "قصة العلاقة الفريدة التي تكونت بين الإنسان والنفط، من خلال رحلة فنيّة مبتكرة لاستعراض تشكلات النفط من حاله الخام إلى كل تفرعاته"، في رحلة تنقسم إلى محطات هي "اللقاء والأحلام والشكوك والمستقبل"، وتعكس النواحي التاريخيّة والاقتصاديّة والجيوسياسيّة والمجتمعيّة والثقافيّة التي أسهم بها النفط في حياة الإنسان.

تقول وزارة الثقافة إنها تستهدف من متحف "الذهب الأسود" وسواه توفير متاحف نوعيّة في المجال الثقافيّ السعوديّ، "تضم نماذج إبداعية ملهمة تسهم في نمو الحراك الثقافي في المملكة، وتعزز مفهوم "الثقافة نمط حياة"، عبر استقطاب شرائح واسعة من المجتمع، تشمل العائلات والطلاب والسياح وكل المهتمين بالفنون البصرية، حيث سيوفر لهم المتحف مساحة للاطلاع على المجموعات الفنية الدائمة التي يستضيفها لفنانين عالميين، إلى جانب المعارض الموقتة والبرامج التعليمية، وفرصة زيارة مبنى "زها حديد" الشهير الذي تم تصميمه لمركز الملك عبدالله للدراسات والبحوث البترولية.

القصة بدأت من هنا

تعوّل الأوساط الثقافية على أن يكمل المتحف ما بدأته "أرامكو" السعودية عبر مركزها الثقافي "إثراء"، إلى جانب خدمتها تاريخ النفط عبر توثيق الشركة لبداياتها عام 1933، عندما أبرم اتفاق الامتياز بين المملكة العربية السعودية وشركة ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا (سوكال)، وتم حينها إنشاء شركة تابعة لها سميت بكاليفورنيا أرابيان ستاندارد أويل كومباني (كاسوك)، لإدارة الاتفاق.

وبدأ العمل على الفور، فبعد مسح صحارى المملكة لتحديد مواقع النفط، بدأت أعمال حفر الآبار عام 1935، وبعد سنوات من الجهد المضني من دون أي نجاح يذكر، قرر المسؤولون التنفيذيون في سوكال عام 1937 الاستعانة بمشورة كبير الجيولوجيين ماكس ستاينكي، الذي أشار عليهم بالاستمرار في أعمال الحفر.

من هناك بدأ تاريخ النفط والتغيرات الاجتماعية والاقتصادية التي أحدثها في البلاد، يوم "شهد العام 1938 إرساء أولى لبنات ازدهار مستقبل المملكة، ونجاح جهود أرامكو السعودية، وذلك بالتزامن مع باكورة إنتاج النفط بكميات تجارية من بئر الدمام رقم 7 التي أطلق عليها اسم بئر الخير"، وفقًا لشهادة الشركة عن تاريخها.

يأتي إطلاق العمل في "متحف الذهب الأسود" بعد إعلان السلطات السياسيّة والماليّة في السعودية، العزم على تنويع مصادر الدخل في البلاد، وتقليل الاعتماد على النفط، الذي تداول السعوديون على نطاق واسع قول ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، إنّ حال الإدمان عليه يجب أن تنتهي، لافتًا إلى أنّ جده مؤسس المملكة بناها بسواعد الرجال على مرأى من الإمبراطوريات المتصارعة في الإقليم خلال القرن الماضي، من دون أن يصادر "شبر" من أرض ابن سعود قبل اكتشاف النفط، لكنه بالرغم من ذلك يقرّ بأن النفط لا يزال سلعة مهمة عالميًا، وسيبقى كذلك لعقود أخرى، فهل يعني المتحف بداية الاستعداد لرحيل عهد الاعتماد على السلعة غريبة الأطوار، قبل إحالتها على التقاعد؟

المصدر: اندبندنت عربيّة