في أيلول الماضي، احتفلت الإمارات برحلة الطيار هزّاع المنصوري إلى الفضاء بعرض صورته على برج خليفة، الأطول في العالم، بسعادة عكست فخر البلاد بابنها الذي أصبح العربي الأول الذي وطأت قدماه محطة الفضاء الدولية وبقي على متنها لمدة ثمانية أيام، بعد انطلاقه على مقعد في مركبة فضائية كانت بلاده قد اشترته من وكالة الفضاء الروسية. وبعد فترة لا تتجاوز الأشهر من رحلة المنصوري إلى محطة الفضاء الدولية، باتت الإمارات على وشك إطلاق مهمتها الأولى نحو المريخ، والمتمثّلة بمسبار بحثي لا يتجاوز طوله بضعة أمتار، إلا أن الآمال المعلقة عليه كبيرة.
سباق فضاء
وكان المنصوري ثالث عربي يصل إلى مدار الكرة الأرضية، الإنجاز الذي لم تسبق الإمارات به سوى السعودية وسوريا في ثمانينيات القرن الماضي.
وبحسب صحيفة "
بلومبرغ"، كانت رحلة المنصوري خطوة تقع ضمن برنامج وطني يتضمّن إرسال مسبار "الأمل" إلى المريخ في الفترة الواقعة ما بين منتصف شهري تموز وآب، لتتقدّم الإمارات المنافسة الإقليمية التي تضمّ السعودية، والمنافس المشترك لهما في المنطقة وهو إيران.
ووضعت الإمارات والسعودية أمر الفضاء ضمن خططهما المستقبلية بعيدة المستوى لأهداف تشمل تحديث وتنويع اقتصاداتها.
السعودية
وكانت السعودية أول بلد في الشرق الأوسط شهد إطلاق أحد مواطنيه إلى الفضاء، عندما انطلق الأمير سلطان بن سلمان في رحلة رافقت إطلاق القمر الصناعي "عرب سات -1B" بواسطة مركبة "ديسكفري" الفضائية في العام 1985.
ولعبت السعودية دورًا رائدًا بتشكيل شركة الاتصالات الفضائية "عربسات" متعددة القوميات في العام 1976، التي أطلقت قمرها الصناعي في العقد التالي لتأسيس المشروع.
وبحثت السعودية مع وكالة "ناسا" الأميركية للفضاء في ثمانينيات القرن الماضي إمكانية وضع رائد فضاء على رحلات الوكالة مرة كل عامين، إلا أن الفكرة تبدّدت مع وقوع كارثة "تشالنجر" في كانون الثاني 1986.
وبدأت السعودية ببناء أقمارها الصناعية الخاصّة بها في مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتكنولوجيا في بدايات القرن الحادي والعشرين، وحافظت على موقعها الريادي في عالم الفضاء بين دول المنطقة، حتى العام 2004، عندما أنشأت إيران وكالة الفضاء الخاصة بها، لتضع قمرها الصناعي، روسي الصنع، في المدار في العام التالي، ثم أتبعته بقمر صناعي محلي الصنع، ليستمر السباق الإقليمي.
وفي كانون الأول 2018، أعلنت السعودية تأسيس الهيئة السعودية للفضاء، والتي أصبح الأمير سلطان بن سلمان رئيسًا لها.
ويشمل دور الأمير الإشراف على العمليات وتنسيق مبادرات فضائية مع جهات أميركية وروسية وفرنسية وأماكن أخرى.
ووقّعت وكالة الفضاء السعودية على عدد من اتفاقيات التعاون مع نظيراتها الدولية، بما في ذلك الوكالة الإماراتية، كما كشفت عن خطط لإنشاء مركز تدريب وطني ضمن أعمالها.
الإمارات
ومنذ لقاء الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان بطاقم مركبة "أبولو 17" في العام 1976، بعد عودتهم من رحلتهم التي حطّت رحالها على القمر، حافظت الإمارات على حلمها الذي حقّقته بعد وفاة مؤسسها الشيخ زايد في العام 2004، لتطلق أول مركز فضائي على أراضيها.
وأسّس حاكم دبي محمد بن راشد آل مكتوم، مركزًا للفضاء في العام 2006، حمل اسمه لاحقًا.
وبعد ثلاث سنوات، كشف المركز عن القمر الصناعي "دبي سات – 1" الذي ساهمت كوريا الجنوبية بصناعته إلى حد كبير.
وفي العام 2013، كشف المركز عن القمر الصناعي "دبي سات – 2"، الذي ساهمت الإمارات بشكل أكبر في تطويره، ليتبعه بعد خمس سنوات قمر "خليفة سات"، الذي بني بأيادٍ إماراتية بشكل كامل.
وأسّست الإمارات وكالة الفضاء الخاصة بها في العام 2014، بشكل تزامن مع إعلانها نيّة إطلاق مسبار يدور حول المريخ بحلول نهاية العام 2021.
وأُسندت مهمة بناء مسبار "الأمل" إلى فريق علمي إماراتي مكون من 200 أكاديمي وعالم متخصص، بقيادة عمران شرف.
وتتمثّل مهمة المسبار بدراسة التغيرات في الغلاف الجوي للمريخ لمدة عامين على الأقل.
ولا تأتي نافذة الإطلاق الأرضي نحو المريخ سوى مرة كل عامين، عندما يكون كل من الأرض والمريخ في أقرب نقطة تقارب بينهما.
وتمتد النافذة المقبلة على مدى عدة أسابيع تبدأ في منتصف تموز المقبل، حيث يرتقب إطلاق الرحلة التي يتوقّع أن تستغرق سبعة أشهر للوصول إلى وجهتها.
ويتكون المسبار الإماراتي من هيكل مكعب مصنوع من الألومنيوم، بطول 2.9 أمتار، ويبلغ وزنه نحو 1497 كيلوغرامات. وهو مزوّد بثلاث ألواح شمسية قابلة للطي.
وتمّ شحن المسبار إلى موقع الإطلاق الياباني في نيسان، قبل فترة من موعد الإطلاق المقرر، لأسباب مرتبطة بأزمة فيروس "كورونا" المستجد.
وفي حالة نجاح المهمة، ستكون وكالة الإمارات للفضاء هي الخامسة التي تتمكّن من الوصول إلى مدار المريخ.
ومن المفترض أن يقوم المسبار بإرسال صور وبيانات أخرى ستُتاح بشكل مجاني لما لا يقلّ عن 200 مؤسسة بحثية حول العالم.
(اللواء،، "بلومبرغ")