بيروت - لبنان

اخر الأخبار

18 كانون الأول 2020 12:00ص أجل.. سوف تنهض

حجم الخط
كل هذا الجو الفحمي الذي يغطي أجواء المدينة..

كل هذا الغبار السام الداكن الذي يمتص أوكسجينها..

كل هذه المواقف التي تخفي أكواماً من ضغينة خلّبية..

كل هذا التمثيل في مواقف تلعب على غير ما هو مقصود..

كل هذه المناورات السوداء التي تجري على أرض الوطن..

كل ذلك لن يمنع هذه المدينة من النهوض والعودة إلى ألقها وسموّها..

والسؤال هو ماذا لو حدث ما حدث في مدينة أخرى غير هذه المدينة؟

مدينة فقدت العنصر المحرّك لديناميكيتها ودورتها الدموية وجهازها العصبي، والأهم من ذلك القضاء على أملها في الارتقاء إلى المصاف الذي تستحقه.

لا أحد يعتقد أن مدينة أخرى تعرّضت لمثل ذلك أن تعود إلى وعيها وترفع أكوام الأنقاض عن واقعها لتتحرك من جديد في صعودها باتجاه ما تصبو إليه.

لكن هذه المدينة مختلفة..

ولماذا هذه المدينة بالذات؟..

لأنه لا يُمكن النظر إلى الحاضر بعين الحاضر..

فالمدن هي متطابقة مع الإنسان.

فالإنسان ليس ابن حاضره بالقطع، هو تراكم تجارب وإستفادة من عبر وأحداث، كلها تجتمع لتؤمّن نوعاً من أنواع المناعة الاجتماعية والنفسية وحتى العضوية، تجعل من أجهزته الدفاعية حاجزاً يحول دون الانهيار والضياع، وذلك أيضاً حال المدن.

فلننظر إلى تاريخ هذه المدينة..

لطالما تعرّضت في تاريخها الطويل والعريق إلى استهدافات الطبيعة والإنسان..

زلازل تدمّرها، وحروب تقوّض مقوّماتها، واحتلالات تمتص حيويتها.

وكأني بذلك كلّه صنع من هذه التجارب والمحن جهازاً مناعياً يجعل من انهيارها وضياعها ما يقرب من الاستحالة.

من هذا المنطلق وهذا الفهم يُمكن لنا أن نفهم حقيقة ما يحدث الآن دون استغراب أو عدم إستيعاب.

إنما هي تجربة جديدة تضاف إلى سلسلة التجارب التي صنعت تاريخ هذه المدينة وعناصر شخصيتها وتكوينها.

لذلك فالتقدير وافر لمن امتلك هذه المعطيات وآمن بها بحيث زرع الأمل في نهوضها من كبوتها رغم كل ما يدعو إلى غير ذلك.

ان ما حلّ ويحلّ بالوطن والمدينة على جسامة وفداحة شراسته سوف يكون شرارة تبعث عملية النهوض من تحت الرماد لتطبق أسطورة طائر الفينيق عملياً.

وليشهد العالم الذي يراقب عن كثب ان هذا الوطن ومدينته غير قابل للموت وان هذه المدينة العابقة بأريج تاريخها وتراثها سوف تبقى عبر الأجيال مثالاً يحتذى على كيفية مقاومة الكوارث ومحاولات الإلغاء..

ولسوف يبقى شباب هذا الوطن محطة مضيئة عبر المستقبل لما يتباهون به للأجيال القادمة.