بيروت - لبنان

اخر الأخبار

18 أيلول 2020 12:00ص أرزة الرابية

فيروز فيروز
حجم الخط
خارج أجبل الأرز، بدت فيروز أرزة في الرابية، أرزة من لحم ودم. تهبّ عليها الأوجاع من كل الجهات. إستراحت هناك على حجر أبيض، فيه يقظة الأطفال.، فيه يقظة الشباب، فيه يقظة المواويل، فيه يقظة الآباء والجدات.

إستراحت هناك على حجر أبيض، فبدت أسطورة الأرض وأسطورة الشعب، وأسطورة السماء.

أسطورة إستراحت هناك على حجر أبيض، فبدت فيروز كمنحوتة، ولدت لتوّها من يد فنان، صنعها بأنفاسه، صنعتها يداه وتأوّهاته، جلاها بدموعه، فإخضوضل المرمر، إخضوضل الزمرد، إخضوضل الفيروز، إخضوضل الحجر.

أورق الحجر الأبيض في مهبط العطر والقهر، أرزة، خارج جبال الأرز، تطرّز شلوحها عذارى الثلج، تصنع لها وشاحا، تصنع لها مشلحا من الياقات واليرقات في موسم العز وفي موسم القز.

«أرزة الرابية» التي زارها «الإليزيه»، غب مساء، غب غيمة عبرت في مرفأ بيروت كبسمة موت معجزة؛ إنما هي من ضلع أرز جاج العظيم.

من ضلع حرف، من ضلع شراع، من ضلع شعاع، ضوأ العالم مجرات، مجرات، وثريات ثريات، من المتوسط الكبير، إلى المحيط الكبير.

«أرزة الرابية»، هفت إليها الأساطير، نسجت لها معاطف من زمرد وياقوت وفيروز: سنابل قمح، وسعفا من نخيل.

نسجت لها شالات الحرير، من آهات جبال الصوان ومزارع الريح وأنفاس الوديان، وأجنحة الفراشات وزغب عصافير الطيون.

«أرزة الرابية»، في مقصورة من حجر أبيض، تستيقظ الصباحات على الشرفات، تهمس في أذن وادي التيم، ويستيقظ لها أسرحدون.

«أرزة الرابية»  أسطورة، من ضلع  الأساطير، جثت على فم حجر، تماما كما يجثو القمر، تماما كما يجثو الشجر.

أسطورة لسوار عروس، هزئت بالقصور وبالدور، وبهياكل الشموع، تدمع طوال الليل في المحاريب.

«أرزة الرابية» تصوغها الشمس كل يوم عروسا مريمية، وتجلوها الدموع.

ألف حرب مضت عليها، ألف ألف تاريخ من النار والبارود، سجرها.

بين غصونها، بين ضلوعها ينبت الصوت وينبث أناشيد أناشيد، لجميع الأفئدة.

«أرزة الرابية» زوّدت الرئيس الفرنسي، «إيمانويل ماكرون»، فسلة من يدها وخصلة من شعرها.

هبّ إلى أرز جاج، في الطريق إلى جبيل. بذل نفسه فيها، وأنبتها وأورقها، في تربة الأرز، في جبل الأرز: ريحانة قلب، وردة للحب والمستحيل.

أرزة، فيروزة، بقامة فيروز: «أرزة الرابية»، الذي قدم إليها، من فرساي، من الإليزيه. قدم سجدة العرش، ودمعة العشق، وكلمة رحمة، همزة وصل بين أرزتين: «أرزة الرابية»، وأرزة جاج الحانية.



د. قصي الحسين

أستاذ في الجامعة اللبنانية