بيروت - لبنان

اخر الأخبار

3 آذار 2020 12:00ص أضواء كاشفة! إلى أين نمضي؟..

حجم الخط
منذ نحو 13.50 بيليون سنة، دخل حيّز الوجود كلٌّ من المادة والطاقة والزمان والمكان، في إطار ما تُطلق عليه تسمية الانفجار الكبير. وان حكاية هذه المعطيات الأساس لكوننا يُطلق عليها مصطح الفيزياء أو الطبيعيات.

وزهاء ثلاث مئة سنة بعد ظهور المادة والطاقة راحت هاتان المكوّنتان تندمجان في إطار بنى مركّبة أُطلقت عليها تسمية ذرّات تجمّعت في جزيئات. وقد دعيت قُصة الذرات والجزيئات وتفاعلها «كيمياء».

منذ 3.8 بيليون من السنين، وعلى كوكب الأرض، تجمّعت بعض الجزيئات لتؤلّف بنى على جانب خاص من الضخامة والتعقيد، أطلقت عليها تسمية «الكائنات الحية». وهنا حكاية جديدة دعيت «علم الأحياء» أو «البيولوجيا».

ومنذ قرابة 70 ألف سنة، طفقت كائنات تنتمي إلى أجناس الإنسان العاقل لتكوّن بنى على جانب أكبر من التطوّر تجسّدها الثقافات. وان التطوّر الموصول لهذه الثقافات الإنسانية هو ما ندعوه «تاريخ».

ثمة ثلاث ثورات كبرى تؤطّر مسار التاريخ: إنطلاقة ثورة المعرفة منذ 70000 سنة، الثورة الزراعية التي تسارعت حتى ما هو قبل 12000 سنة، أما الثورة العلمية التي انطلقت منذ 500 سنة، فقد تُنهي المسار التاريخي التقليدي لتبدأ بذلك مرحلة مختلفة كل الاختلاف.

منذ 70000 سنة، ظلّ الإنسان العاقل حيواناً غير ذي شأن، يهتم بشؤونه الخاصة في منطقة نائية من القارة الأفريقية. وفي أثناء الآلاف التالية حوّل نفسه سيّد الكوكب برمّته وذاك الكائن المرهوب الجانب بالنسبة إلى النظام البيئي. وها هو اليوم على وشك أن يغدوَ إلهاً يسعى، لا لبلوغ شباب دائم وحسب، وإنما أيضاً لحيازة ملكات إلهية تخوّله عمليات خلق وهدم على السواء.

من المؤسف ان الإنسان لا يستطيع أن يُفاخر بكثير من الإنجازات. لقد سيطر على مساحات كبيرة وضاعف المنتجات الغذائية وشيّد المدن وأسّس الامبراطوريات وأوجد شبكات تجارة نائية. ولكن، هل تراه خفّف من الآلام في العالم؟ ان الزمان وتزايد مدى القوى البشرية لم يُحسّنا بالضرورة رفاهية الإنسان العاقل وكثيراً ما تسبّبا بمآسٍ لسائر الكائنات.

في السنوات العشر الأخيرة، انخفضت نسبة المجاعة في العالم وحتى الأوبئة والحروب. وان تحسّن الوضع البشري النسبي دون سواها هو جد حديث وتكتنفه المعطوبية. ولكننا لا نزال نشك في أهدافنا ونبدو في حالة سخط وانزعاج لا سابق لها. انطلقنا من القارب إلى السفينة ومنها إلى الباخرة فالمركبة الفضائية - ولكن، ما من إنسان فرد يعلم إلى أين نمضي؟! العالم أقوى من أي وقت مضى، ولكن، ليس ثمة ما يرشده فعلاً إلى ما يفعله بهذه القوة كلها. يبدو البشر على جانب كبير من اللامسؤولية. يختلقون آلهة من صنيعهم تواكبهم حصراً قوانين الفيزياء فيتجلّون بلا مسؤولية تذكر تجاه أي كائن أو مبدأ. العالم إذاً يعيث فساداً حوله ويسعى ليزيد رفاهيته وتسليته من غير أن يحظى بالرضى المنشود!

وما يُميّز بلدنا سلبياً من المناخ العام في معظم المجتمعات المشار إليها، انه بلغ في التأزّم حداً لم يبلغه من قبل وقد ساهم في تأزّمه انه ارتضى الانهيار حتى كفر بإمكانه صنع نفسه. من يعتقنا من هذا الجحود؟ مَن ذا الذي يعلّمنا ان الدولة الساقطة لا تفسد الأمة العظيمة؟ على دروب الأمم العظيمة لا بدّ من أن يسقط الهزيل.

أستاذ في المعهد العالي للدكتوراه