يتطور الوعي الانساني مع تطور الفنون، وتتدفق الافكار الفنية كلما توجنا مبدأ الحرية بهالات ابداعية من شأنها تقليل الفوضوية، واعادة بناء الأشكال من حولنا بناء جماليا يميل نحو الاجتماعيات الثقافية والفنية التحررية من ناحية الخروج من نطاق واقعي ضيق الى فضاءات التخيل الرحب، والاشكال الهندسية والفنية التي من شأنها تغيير نظرة التحرر الفني من القيود الى الانفلات الواعي للخيال المحتفظ بالمقاييس النحتية، ولكنه الانفلات في الفن الحضاري الواعي المحمل بالقيم النحتية لاشكال اجتماعية تمثل الجزء الحضاري الذي يتطور ويحمل القيم المجتمعية في آن. بل وتبقي على التراث في حيوية مفاهيمية من شأنها اثارة التفاعلات والإنفعالات، لتكون كجزء نحتي هو تعبير عن الأشياء التي يفكر بها. ويجعل منها الوعاء البارز ليضم كل هذه الأفكار الهندسية او الفنية النحتية، ليحاكي الأجيال القادرة على التطور الاجتماعي، كما ينبغي نحتيا وفنيا مع الحفاظ على النكهة الاجتماعية السائدة في المجتمعات التي تحافظ على تقاليدها وتراثها ووجودها الاجتماعي الخاص.
تمنح اعمال الفنان السعودي «عبدالناصر غارم» البصر خصوصيات فلسفية ونفسية اجتماعية وميتافيزيقية لا تنتهي من حيث اللغة النحتية التي استخدمها في اعماله بطابع سعودي عربي بحت، وفي الوقت نفسه تحمل الكثير من المعاني الاجتماعية المثيرة للاهتمام، كتجربة تحمل الطابع العربي للعالمية. لتحاكي شريحة كبرى من المهتمين بالاشكال النحتية الإجتماعية القادرة على الاحتفاظ بالشروط الفنية المماثلة لكل عمل فني قدمه في هذا المعرض الذي تجاوز المسافات الخيالية الى حقيقة بصرية تعتمد على خصائص النحت الاجتماعي، واشكاله الحساسة ذات الخلفيات العربية المحتفظة بنكهة البلد الذي ولد فيه الفنان «عبدالناصر غارم» ليجعل من اعماله الفنية مرايا تعكس جزءاً من حضارة اسلامية بمكنون نحتي ناتج عن البيئة المادية والحسية التي تجمع بين الشكل الخارجي والداخلي ومعناه الفلسفي او بالاحرى معناه الوجودي المحقق لاساسيات البيئة العربية الإسلامية ان جاز التعبير. وهو انعكاس لمفهوم النحت الاجتماعي الذي حمل مفهومه هذا المعرض للفنان السعودي عبدالناصر غارم . فهل ثقافتنا العربية هي جزء من هذا النحت المتشابك مع البيئة السعودية ومحاكاته البيئات الاجتماعية الأخرى؟
يميل الفنان «عبد الناصر غارم» في هذا المعرض الى التعبير عن وجود البيئة المجتمعية وتفاعلاتها البصرية مع ما هو موجود في حضارتها وفلسفتها، وتأثيرها على الأرض متخذا من الأفكار والنظريات النحتية رؤية مغايرة اجتماعيا مما هو مألوف في النحت، محتفظاً بوجهات النظر الاجتماعية والمعرفية بعمق تولد منه الكثير من الافكار التي تجسدت في اكثر من عمل يمثل التعبير الوجودي عبر المادة الخام المستخدمة وتطويعها، لتكون بمثابة قطعة نحتية تعبر عن نفسها وعن المجتمع الذي تمثله لتعطي الانطباع القادر على الاحتفاظ بالمعنى الفني بغض النظر عن التفسيرات المختلفة التي تمنحهابصريا للمتأمل لها او للمتلقي الذي تثيره هذه الاعمال التي تلقي الضوء على الاثر الاجتماعي المحتفظ بكينونته العربية ضمن النحت الاجتماعي.
لوحات ومجسمات ذات عناوين تجسد الحرب والسلم، ورؤية عربية جديدة في النحت التراثي او الهوية العربية البصرية البسيطة في قواعدها الحركية، والغنية بعاطفتها الجمالية الزاخرة بالاحاسيس التي تحكم معاييرها الاجزاء الصغيرة في كل عمل فني قدمه غارم بمنطق نحتي اجتماعي مطعم بنكهة سعودية عربية خاصة. ربما لانها عابقة بالتراث الاسلامي تحديداً وبالمعرفة الواقعية لمعتقدات نحتية لها اسسها في عالم الوعي، والعالم المادي الذي صاغ منه الرموز الحسية لادراك قيمة المجتمع الذي تجسده منحوتاته. فهل يحاول «عبدالناصر غارم « ربط المادة واللغة والفكر بالنحت الاجتماعي وقوته التعبيرية عن ذلك؟
أعمال الفنان السعودي «عبدالناصر غارم» في متحف الشارقة للفنون ويستمر حتى 17 تشرين الأول 2018.