بيروت - لبنان

اخر الأخبار

4 آذار 2020 12:00ص أعمال الفنان سيروان باران معالجة الأحداث بالفن التشكيلي

من أعماله من أعماله
حجم الخط
يعتمد الفنان «سيروان باران» (SERWAN BARAN) على معالجة الأحداث الحرجة في الحروب بالفن التشكيلي الدرامي في توجهاته لإظهار المآسي الناتجة عن ذلك بالترميز، وبالقدرة على منح الألوان التعتيم المناسب في الأماكن البصرية، للتأثير الحسي ومنح الأضداد قيمة فنية تعتمد على الجمالية الرومانسية، القابلة للهشاشة في زمن الحروب التي يؤرشفها باران في لوحاته، ومفارقاتها البصرية من حيث الألوان وتناقضها، والتفاصيل ومآساتها وان ضمن اللعب على الخطوط اللونية واتجاهاتها للتاثير على الحركة الضوئية وحفظ الظل المؤثر في منح اللوحة ميزة أوجاع البشرية من الحروب ومؤثراتها وخضوع الإنسان لآثارها ونتائجها، وما تفرضه عليه اللحظة التي يرسمها بتأنٍّ مستمداً من الذاكرة التفاصيل الملحمية الطويلة زمنيا بترميز قائم على شكل الوجوه والأجساد وبانسياب ممزوج بالأحاسيس، وكأن شخوصه هي من حضارات قديمة نشأت على الاقتتال والحروب وما زالت تستمر حتى الآن. فهل التراجيديا في لوحات «سيروان باران» هي رسالة يبحث من خلالها عن حقوق الإنسان؟ أم ان الفنان يرسم ما في ذاكرته عن حروب عاشها وما زالت تفاصيلها تتراءى من خلال رسوماته؟

لعل أجمل ما في ريشة «سيروان باران» هو ارتباطها بالألوان القادرة على منح الحس مؤثرات المشهد، واستحضارها للحظات غائبة عن الذاكرة الانسانية وعلاقتها الوثيقة  بالفن، وبفلسفة تلامس اللاوعي وتدفع بالوعي نحو البحث عن الحلول، وبما أن المأساة في أعماله ليست خارج الفن الجمالي الذي يفرضه كمفهوم صارم في إظهار الواقع المأساوي للإنسان على مرِّ الزمان دون التوقف أمام حقيقة واحدة، بل أمام حقائق متعددة ومختلفة وفق استعارات متعددة تقنيا من اللون الى الظل الى المتناقضات فالأضداد، مستنكرا بذلك الكثير من مراحل الحروب الاسطورية والملحمية والبعيدة عن متخيّل أي إنسان، مما يضع لوحاته في خانة حقوق الإنسان. فهل يحاول إعادة تشكيل البشرية بعيداً عن مأساة العصر الحديث أم انه يدمج كل ذلك في عقدة تاريخية يسلّط الضوء من خلالها على أبرز صور للانتهاكات الإنسانية وقدوتها في فرض وقف هذه الحروب المثيرة للدهشة والمشحونة بالأوجاع، وان ضمن الفن التشكيلي الذي يفترض انه جماليا بعيداً عن لغة الحروب، ولكنه في لوحات باران يسمو نحو الرسائل المطالبة بحقوق الإنسان في الابتعاد عن التلوثات الحسية المؤدّية الى فرض الكثير من المآسي البشرية في الكون. فهل لوحاته هي ذاكرة إنسانية؟

تثير لوحات باران إشكالية جدلية حول الحروب ونتائجها، والإنسانية وتمزقها والجمال الخارج من المأساة نفسها المشبعة بالألوان الحياتية واستمراريتها في مجابهة معضلات الحروب، وعبر لوحات بمقاسات كبيرة هي للتاكيد على مساحة الذاكرة الكبيرة، وأوجاعها حيث يستنبش منها رسوماته الغارقة بالدراما التي تلامس في شكسبيريتها العنف القاتل، والذل المهين للإنسان في الحروب مع الاحتفاظ بالبُعد الفلسفي لجمالية هذه اللوحات التي تثير القلق، وتثير الكثير من التساؤلات حول مصير الإنسانية الخاضعة للتمزق والظلم والاستبداد، وبعيداً عن مفهوم الجمال الذي لم يخرج عنه فنيا من حيث الأسلوب والتفسيرات المنطقية للتعتيم والضوء والكائنات المثيرة بحد ذاتها، وهكذا هو يضع المتلقّي أمام لوحاته في محاكاة لا تنتهي تعيدنا الى فن المأساة والتراجيديا، وجمالية المتخيّل من واقع مأساوي مترجم بريشة ولون وتفاصيل مضمونها الإنسان وأهميته في الحياة بمكاشفات بصرية متلبسة أحيانا بحزن قوي يكتسب الحس منها قوة المشاعر المتجذّرة في اللوحة التي نستطيع من خلالها فهم معنى السلام.

أعمال الفنان «سيروان باران» (SERWAN BARAN) في غاليري صالح بركات (Saleh Barakat Gallery) ويستمر حتى23 أيار 2020.