بيروت - لبنان

اخر الأخبار

18 آذار 2020 12:00ص أعمال الفنان محمد عبلة ملامح المعنى التشكيلي للمعتقلات

من أعماله من أعماله
حجم الخط
تتشكّل ملامح المعنى التشكيلي للمعتقلات في لوحة الفنان «محمد عبلة» التي تنتمي لمجموعة معتقل الخيام (2002) في متحف فرحات، فتوحي بالاكتظاظ البشري المغمّس بتجريد ذي تعبير بصري مؤثّر من حيث التأمّلات الغارقة بالحركة الداخلية للمشهد، الذي تختلط فيه الكثير من تفاصيل تجمع بشكل عام المعنى الإنساني في وجود قلق وفق خامات الألوان وتناسقها، وان تنافر الأحمر ليبعده عن الدماء، ويجعله يتوافق مع جوهر المعنى الذي يقدّمه عن معتقل الخيام أو من خرج منه، وتلاحم مع الآخرين بانفعالات ريشة تهتم بالطبقات اللونية واختلاطها، وبتقاطعات مع ما يتراءى له من مؤثرات بصرية، تجعل من لوحته مفتوحة على مآسي العالم بشكل عام أو الأحرى الثورات والاعتقالات والأوجاع الاجتماعية وغيرها، التي تتمثل بضربات الريشة بين الفراغات، وكأنه يتعمّد مسح الألوان النارية بخطوط ذي تعرجات بسيطة في مساحات يبسطها بصريا، لتستقر على القماشة وهي مشبعة بالتخيّلات أو الايحاءات المختلفة الصادرة عن ذهن يبحث في الملاحم عن الخيال المزدحم بالامتلاءات الفنية، بمعنى خرج من معتقل الخيام الى معتقل الحياة عبر مساحة اتسعت للكثير من التفاصيل المسرودة لونيا، والعاكسة للقضايا الإنسانية التي تتشابك مع القضايا الفنية ومخارجها التشكيلية، من خلال الكشف عن المآسي التي يتعرّض لها الناس، ان في المعتقلات أو في المدن الأكثر اكتظاظا من المعتقلات أو حتى الثورات، وما ينتج عنها من توترات تتالى معها الأحداث المؤثرة على الإنسان الذي يقف شارداً أو متخبطاً أو حتى موجوعا متمايلا مع الظل، كما بين الظلال في اللوحة والتمايلات التي تؤدّي الى تكوينات يصعب فهمها بشكل عام، لكنها قادرة على معالجة المعنى العام للقضايا الإنسانية ومتغيّرات الحياة برموزها وتجريدها وتعبيرها، ودلالاتها في لوحة منتقاة من أعمال تتمتع بالبحث عن الحرية أو التحرر من كل القيود التي تتسبب ببقاء الإنسان في مساحة واحدة. فهل يعالج الفنان «محمد عبلة» القضايا الإنسانية بشكل عام؟ أم ان اللوحة هي لتحرير المفاهيم المقيّدة من أسر المعتقدات من خلال الألوان وضربات ريشة تلتزم بمواضيع الحياة ومشاكلها وقضايا الإنسان؟

يعزز الفنان «محمد عبلة» الحركة اللونية وتنوّعها، مما يمنح اللوحة الغنى البصري الذي يحثّ على الاكتشاف والتأمّلات، وتحفيز الذهن على البحث عن المعنى التحرري للأشياء وانعكاساتها وتأثيراتها علينا، ضمن المستوى الحياتي الذي لا يخرج عنه ولا يتخطّاه، إلا من خلال الأوجه المختلفة في الألوان وتدرّجاتها، فالأحمر في هذه اللوحة يتباعد ويتقارب ينسجم ويتنافر ويشكّل صورة تؤدّي الى تشكيل المعنى الذي تكلمت عنه في البداية، وهذه ميزة يتحرر معها المتلقي من مفهوم معتقل الخيام الى المعتقل الأكبر في الحياة، ومشكلاتها من ازدحام المدن ومعاناة الناس الى ضيق المساحات وان اتسعت، إلا ان تجمعات الألوان المختلفة في نفطة واحدة من اللوحة هي للتعبير عن التوترات التي تنتج عن عشوائيات أو عن ثورات أو عن أماكن تؤثر على خلق عذابات مختلفة للإنسان المتنافس على حرية لا يراها رغم وجودها في الفراغات التي يفرضها بصعوبة على لوحته هذه. فهل من جسور للحرية لا نراها يخفيها «محمد عبلة» في لوحة تجعلنا نرى القضايا الانسانية وصعوبتها في ترجمة الفرح أو الاستقرار أو حتى الرخاء الانساني الذي نراه غامضا أو متخيّلا أو في الأضداد التي تتشتت في اللوحة حتى بين الألوان الباردة والحارة. فهل من صياغة أخرى لرسم معنى المعتقلات أو الانتقال من السجن الصغير الى السجن الأكبر في الحياة؟