ترتبط أعمال الفنان الأميركي «ويليام بيشوب» (William Bishop) بالمتطق البصري والمنهج الانطباعي المجرّد هندسيا طبقا للتحرّر الفني الذي يؤدّي الى خلق تصوّرات توحي بالعقلانية، يحرص من خلالها على خلق التناقضات بين الأشكال والألوان المغايرة خاصة الباردة منها، ومعطيات الحركة ومنظوماتها التي تحدد طبيعة اللوحة بشكل خاص على أسس ذات براهين هندسية تجريدية تميل الى الليونة والمرونة ضمن مستويات مختلفة ذات جوهر فني يثير التساؤلات عن الطبيعة وعناصرها المتخيّلة، ان انعكاسيا أو بطمس معالمها لاستخراج العلاقات الأخرى ما بين الهندسي والانطباعي والمشترك بينهما، لتتوافق التفاصيل مع النظرية الفنية التي يلتزم بها بيشوب في جميع أعماله الفنية عامة، خاصة وانه يمارس تشكيلات تتوافق ونظرته الفاعلة في خلق تصورات متعددة تمثل التغيّرات الجوهرية في العالم أو اللحظة الانطباعية المجرّدة حيث تتعرّى الأشكال من الزيف وتحقق ذاتيتها بصريا أمام الفنان، ليتخذ منها أشكاله التي تحتفظ بالقيمة الفنية شكلا ولونا ومضمونا وأسلوبا دون التلاعب بمصطلحات الشكل، وإنما بتجريده لينسجم مع المؤثرات الفراغية أو التحوّلات الأخرى، فهل حاول «ويليام بيشوب» تعديل مفهومه الفني من خلال ذلك؟
يحاول الفنان «ويليام بيشوب» تعديل الرؤية التي تضج بالحركة كمشهد يحصرها ضمن الأطر التشكيلية وتصوراتها الدالة على الحقائق التي ينتزع منها القسوة والمرارة دون أن يغمرها بالرومانسية إلا من خلال التقارب بين تدرجات الألوان كافة، وكان الأشكال تتطوّر وتتقارب فيما بينها وان حافظ على مستويات التناقضات، ليشير الى الحروب وقسوتها والتقارب الذي ينتج عنها فيما بعد بين الأفراد والشعوب، فلوحاته تتضمن الكثير من الحركة فضلا عن الاختلافات بين ما يستحوذ على النسق التشكيلية، وبين ما يستحوذ على العلاقات أو الترابط ضمن عدة مراحل يتوالد عنها نظريات جمالية يستسيغها الحس الوجداني، وان ابتعدت عن الرومانسية، إلا انها تحتفظ بروحانية حيوية ذات اتساق وجداني بين الألوان كافة التي تشترك بنقطة فنية هي المعيار التدرّجي أو المصطلح الفني الذي يجمع الكل في لوحة تضم عدة أجناس تشكيلية تنتمي الى المنهج الانطباعي المجرّد وتناقضاته التي تتسم بالتحليل لالتقاط ماهية اللحظة التي تتسبب بالشك والنزاع، ومن ثم الالتحام والنشاط الحركي الذي يشمل علاقة الفرد بالكل أو علاقة الشكل الواحد مع الأشكال الأخرى، وكأنه من خلال ذلك يصف علاقة الإنسان بالمجتمع من خلال الفن التشكيلي ذي التأثير البصري وتعدد مجالاته الايديولوجية.
يتضح التضاد ومسارات الحركة من خلال العناصر التي يوزعها في نسيج بصري يستمد جوهره من المصطلحات الأخرى، كتدرّجات الألوان وما تتضمنه من بدايات ونهايات في ظل ما تفتعله الريشة للاقتران بالشكل النهائي الذي يستخلصه من المحاكاة المنطقية التي تضم نظريات فنية متعددة يجمعها في إطار واحد ينشأ من الانقاسامات المتعددة التي يبتكرها بمعنى كل شكل قد ينتمي للآخر، وان اختلف معه بمنطق ينتمي للشكل نفسه الذي ينبثق عنه، كأنه يتساءل عن التضاد والانسجام أو التناقض والتلاحم بين البشر في الكون أو الحروب والسلام، وما ينتج عنهما كل ذلك ضمن العقلانية الفنية المشحونة بوجدانيات الألوان ومعانيها وتطوّراتها وارتباطها بالفراغات أو بالأحرى بالمواقف التجاذبية بين فرد وآخر وفي اللوحة بين شكل وآخر، وكأنه ينتقد المجتمعات أو الحروب التي تؤدي الى هلاك الإنسانية، ولكن في لوحاته هي تلك الفترة المسمّاة بالهدنة التي تفصل بين حرب وحرب ويستخلصها في لوحاته بشكل جمالي مهيب يضفي لحظة من سلام مستحيلة.
أعمال الفنان «ويليام بيشوب» (William Bishop) من مجموعة متحف فرحات.