تشدّد الفنانة الألمانية (Christine Löw) «كريستين لوف» على قواعد الرسم واشكالياته في تكوين هندسي ذي إيقاعات ذات تحوّلات وتغيّرات تتوازن معها النسب الجمالية بين شدّة الألوان وضعفها، بتضاد عامودي وأفقي يضغط كل منها على الآخر، لتنصهر القوة البصرية مع بعضها بحيوية هندسية نلمس من خلالها مختلف الدلالات التي تكشف عن رؤاها الخاصة المؤثّرة على التتابع اللوني وفق الأشكال المختلفة التي تتناقض وتتنافر، وتضفي الكثير من الرؤى المتباينة المشغولة بدقة حسيّة قائمة على أسس الخطوط الأفقية والعامودية، وتأثيرها المنفرد على الألوان، مما يجعلها تتضارب مع بعضها البعض، لتخلق الكثير من الإيحاءات التعبيرية هندسياً، وبتأثيرات عميقة المعنى وفق تحدّيات الربط البصري الملموس بين العناصر التكوينية في اللوحة. فهل تشكّل كل هذه الخطوط نوعا من التشابك الحسي مع أزمنة تتمثل بعلاقة خطوط الطول والعرض بالزمان والمكان؟ أم أنها تربط بين الفضاءات اللونية لتحتضن الخطوط دون إنفلات في النظم وتشكّلاتها الناتجة عن فكرة تحدّيات الربط البصري الملموس بين العناصر التكوينية؟
تعتمد «كريستين لوف» على إخفاء شفاف لخطوط تدمجها كخيوط وترية تميل الى إظهار الظلال اللونية وفق النظم الهندسية العالية الدقة مرئياً، وضمن طبقات مختلفة الأشكال، بتكوين ذي عدة خطوط وطبقات تتأرجح بين السماكة والرقة وتؤدّي الى تموّجات ذات ترددات عالية تجذب البصر حسيا إليها، وبتعبير هندسي رأسي وأفقي يميل إلى الصعود والهبوط وفق إيماءات تكيّفات الألوان مع بعضها وبامتداد مغناطيسي يتولد عنه عدة أحجام وعدة مقاييس أطول وأقصر وفقا للقيود الهندسية التي تبرمجها كريستين لتستكشف المساحات المتوارية بين الألوان والخطوط، وبأبعاد محدّدة تنشط بصريا عند الاشتداد والفصل بين بعضها البعض للسماح بتحقيق المزيد من التأثيرات الإيجابية على القدرات التنافسية بين الخطوط التي توحي بالحركة والاندماج، وبقدرة الفنانة على التحكّم الديناميكي بالشكل وفق القيود المحددة في كل لوحة. فهل التحديات البصرية قائمة على مفهوم القوة بين العناصر المتناقضة؟ أم انها تجعل من كل لوحة قاعدة هندسية لتكوين الأخرى؟
تتصدّى كريستين إلى الإشكاليات الفنية وصعوباتها العصيّة بصريا التي تتمثل بالإيقاعات الفنية المستحدثة التراكيب التي تمدّها وتمسكها بغموض تحتفظ من خلاله بالجوهر الفني المتلاحم، لاستخلاص القواسم المشتركة بين الخطوط الرأسية والأفقية أولا، ومن ثم بين الخطوط الأخرى المخصصة لمنح التراكيب الهندسية دلالات ترصد من خلالها النتائج الفنية ومعادلاتها، وبتوازن بين الأضداد وبين الايقاعات ومعانيها من حيث القوة والضعف، لتتكامل العناصر من خلال تآزرها مع بعضها البعض، وبعمق يثير الكثير من التساؤلات حول الفرضيات اللونية التي تتبعها كريستين في مساراتها الهندسية التي تشكّل الأطر الحركية الشائكة نوعا ما من حيث قوة التناقض الذي يسمح بالتمعّن في الكثير من الأحيان، وعبر فروقات الطول والعرض، والرأسي والأفقي، وقوة الإنجذاب الفني الذي يضعنا مجازيا أمام البُعد الفني وجوديا وهندسيا وفنيا، وبعمق الخبايا المحيطة بالتباين والشفافية حيث تكمن المعاني في مفاهيم بصرية ترتبط بالأداة التشكيلية، وبالمادة اللونية وتفاعلاتها مع الخطوط التي تطلُّ منها الايحاءات على مسألة الوجود التكويني البصري للإرتقاء بالفكرة وتحويلها الى خطوط وألوان غير عبثية، ومنظمة تنظيما دقيقاً يقوم على التحليل والاستنتاجات وفق علاقات أخرى ثانوية متجدّدة ينبغي اكتشافها بصريا وهي على قدر كبير من الابتكار الفني.