كثيرون يحفظون أشعاراً له من أيام الدراسة، وآخرون يعرفون قيمته من خلال لقبه الأعم، والسميعة أنصار الطرب والتخت الشرقي في الموسيقى يدركون حجم الصداقة التي جمعته بالموسيقار محمد عبد الوهاب وما أثمرته من نتاج غنائي نخبوي وطني وعاطفي متميز.
أحمد شوقي.. أمير الشعراء العرب الذي حضر بقوة وفاعلية في عصره، وتمدد صيته وصدى شعره إلى يومنا هذا، وسط إحترام كامل لأفكاره ومواقفه ونهجه الإبداعي، الذي تحول مع الأيام إلى مدرسة في النظم وإعداد الشعراء المستقبليين، في وقت عرف بأخلاقياته الرفيعة، ومبادئه الثابتة، وهي صورة ربّى عليها أبناءه الستة خصوصاً: حسين وعلي.ويعنينا في السياق الأول الذي وضع كتاباً عن أبيه بعنوان «أبي شوقي» وُزّع قبل 70 عاماً (عام 1947) أي بعد وفاة الوالد الأمير بـ15 عاماً، وعرف رواجاً واسعاً، نظراً لما عاشه من شهرة وعز وتكريم وإحترام أدبي وشخصي.
في 16 تشرين الأول/أكتوبر1868 ولد، وفي 14 تشرين الأول/أكتوبر 1932 توفي، عن 64 عاماً، كان في أفضل نشاطه وقوته مع قدرة على تحمل ساعات السهر والواجبات من خاصة ورسمية وعامة، كان صاحب سطوة حيث يتواجد، وسيد الطرفة والدعابة على مدى جلساته، أما في بيته فكان يفرض على أهل بيته إنتظار أن تفتح شهيته على الأكل لكي يتناولوا غداءهم خاصة، كونه كان ينام إلى ساعة متقدمة من النهار فيأخذ ترويقة الصباح ظهراً وهات يا وقت يجوع بعدها فيطلب تحضير وجبة الغداء.
ومما يرويه نجله حسين في كتابه، أنهما كانا معاً في باص ببرشلونة (أسبانيا) إبان نفيه في ذلك الحين، وصودف صعود رجل دميم عملاق يضع عقداً من الذهب، جلس قبالتهما وراح في غفوة، وإذا بشاب وسيم يقترب منه لسرقة العقد من رقبته، فلاحظ أن أمير الشعراء يراقبه فقال له بالإشارة: هل أسرقه، وأومأ إليه شوقي بأن إفعلها، فإبتسم اللص وسرقه, وحين عاتب «حسين» والده على دفع اللص لسرقة ذهب الرجل، سأله أمير الشعراء: لو كان معك العقد وعليك أن تعطيه لأحدهما فلمن تعطيه، فرد «حسين»: للص، فقال «شوقي»: طبعاً ستعطيه إياه لأنه وسيم وشاب والعملاق ثري ودميم. وكان شوقي غادر القاهرة إلى برشلونة مع عشرة أشخاص، وإستطاع هناك التكيف مع الحياة الجديدة وما فيها من تقشف، ورغم ذلك علّم أولاده الفرنسية والإنكليزية، وإلتحق هو بمدرسة تعلم فيها الأسبانية لكنه لم يجدها كما يجب.
وكان كلما عاد من سهرة جلس إلى مكتبه وراجع ما صاغه من أشعار قبل أن ينام، ومن مفارقاته أنه كان مجبراً على إرسال إبنه إلى المدرسة، وحين ألحقه بواحدة في منطقة المطرية، كان يخترع له الأسباب للبقاء في المنزل والعيش حياة الرغد بدل البقاء لساعات في صفوف محشورة بالتلاميذ، وهو ما كانت تكتشفه وترفضه مربية البيت التركية حاكمة البيت ومن فيه بشكل مطلق.
الكتاب الذي وقّعه إبنه كتب مقدمته شاعر القطرين خليل مطران الذي يقول في أحد المواقع» إن عبقرية شوقي جمعت إلى عبقرية العقل عبقرية القلب. فكان كبيراً في أصغر دعاباته، كما كان كبيراً في أسمى مبتدعاته».
يبقى أن هذا الشاعر الفذ الذي عاش حياته طولاً وعرضاً، طبع عصره بسماته، وكان كبيراً بحجم زعماء وفناني ومبدعي تلك الفترة المدهشة من حياة المنطقة. لذا يظل أحمد شوقي علماً من أعلام الأدب في العصر الحديث الذي نعيش واقعه في كل لحظة.