بيروت - لبنان

اخر الأخبار

19 أيلول 2019 12:00ص أنقذوا لغتنا العربيّة!

حجم الخط
تُبتَذلُ اللغة العربية في الحياة العامة ابتذالاً مهيناً، في الكلام المقول والكلام المكتوب، وتُخلي مكانها أحياناً للهجات العاميّة السقيمة، و«ترصّعها» كثيراً أغاليط النحو والصرف، ودعْ عنك أنها تجافي البلاغة والبيان كل مجافاة.

وهذه الظاهرة التي نأنسها في حياة العامّة، تعود بأصولها إلى المدرسة حيث تدرّس اللغة العربية ثم يتراخى الاهتمام باللغة، حتى في الكليات التي تقوم أصلاً على اللغة وآدابها.

السؤال هو: هل العلّة في اللغة نفسها، أم في نظم تعليمها، أو مردودة إلى القيّمين على تعليمها، وهم المدرّسون الذين نيطت بهم هذه المهمّة؟

وإذا عُرف مكمن العلّة، فهل من سبيل إلى معالجتها على نحو تتراءى آثاره في الحياة العامة قولاً وكتابة؟

ننفي عن اللغة العربية نفسها كل علّة مزعومة أو عيب مرصود. فلغتنا غنيّة بمفرداتها وألفاظها، سخيّة بآدابها وتراثها، بحرٌ في قواعدها ونحوها، وهي لغة أسلست قيادها على الدهر لأسباب التطوّر والنماء، وصمدت حيال كل محاولة أريد بها النيل منها والقضاء عليها، وهي لغة اتّسعت ألفاظها للعلوم والحضارات، ومرنت تركيباتها للخيالات والأوهام، بل للرموز والأحاجي، وصلحت لكل أنواع التداول والتفاهم، ولم تضق بها وسائل الطباعة أو  فنون الخط والكتابة، وأفردت لها عشرات من المعاجم التي اجتهد واضعوها ومنهم الأجانب في رصد ألفاظها ومعانيها واشتقاقاتها ومصادرها. فاللغة العربية إذا محيط شاسع عميق القرار، ولا يضيره أن يعجز السابحون عن عبوره، وهي لغة معطَّرة بأريج آدابها وفنونها.

مثل هذه اللغة المترامية الآفاق الرحبة الجنبات، لا يُعاب عليها نكوص أبنائها عن استيعابها والإلمام بها، أو قعود ذويها عن الحفاوة بتراثها القديم والجديد، وإنما كل العيب مسنود إلى أولئك الأبناء الذين أعطوا زمام هذه اللغة العظيمة بأمجادها، فأهملوا أمرها وتخاذلوا عن دراستها والعناية بها. وشأنهم في هذا شأن الذين ورثوا قصراً باذخاً، فهجروه إلى سكنى كوخ مهيض. فبقي القصر يطاول الزمن، وناء الكوخ بوطأة الأيام.

فلِمَ لا يتحرّكون فيما كثرة من الفرنجة لا يزالون يستشرقون ويتبحرون في الضاد وينشرون كثيراً من كنوزها المخطوطة والمطمورة، ولمّا ينفضوا اليدين لأيّ سبب من الأسباب؟

أستاذ في المعهد العالي للدكتوراه