بيروت - لبنان

اخر الأخبار

23 نيسان 2019 12:54ص إستعادة الذكرى الثانية لرحيل نقيب الصحافة محمد البعلبكي بدعوة من «المركز الثقافي الإسلامي»

المتحدثون في حفل التكريم من اليمين: د. فانوس، ممثل وزير الثقافة نعمة، الرئيس سلام، الرئيس الجميل، سحر البعلبكي، نائب رئيس مجلس النواب الفرزلي، الوزير السابق العريضي المتحدثون في حفل التكريم من اليمين: د. فانوس، ممثل وزير الثقافة نعمة، الرئيس سلام، الرئيس الجميل، سحر البعلبكي، نائب رئيس مجلس النواب الفرزلي، الوزير السابق العريضي
حجم الخط
هو اللبناني الذي يفتخر بلبنانيته وعروبته، وبقيت الصحافة في عهده سلطانة لا تخيفها عصا ولا تضعفها جزرة وبقي عصيّا على الاغراءات، بهذه الكلمات أشاد أهل السياسة والفكر والصحافة بنقيب الصحافة الراحل محمد البعلبكي خلال الحفل التكريمي الذي أقامه المركز الثقافي الإسلامي لرئيس الشرف الراحل في ذكراه الثانية في قاعة عدنان القصار - مبنى اتحاد الغرف العربية في بيروت.
تحدث خلال الاحتفال: الرئيس أمين الجميل، الرئيس تمام سلام، نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي، وزير الإعلام جمال الجراح، وزير الثقافة محمد داوود ممثلا بناصيف نعمة، الوزير السابق غازي العريضي، رئيس المركز الثقافي الإسلامي الدكتور وجيه فانوس وسحر البعلبكي.
كما حضر النائبان: أنور الخليل وأيوب حميد، النواب السابقون محمد قباني، حسين يتيم وعمار حوري، الوزراء السابقون ملحم الرياشي، عدنان منصور، عصام نعمان ووليد الداعوق، مفتي الجمهورية اللبنانية عبد اللطيف دريان ممثلا بالقاضي الشيخ خلدون عريمط، رئيس تحرير جريدة «اللواء» صلاح سلام، اللواء إبراهيم بصبوص، المدير العام لوزارة الإعلام الدكتور حسان فلحة، نائب رئيس المجلس الوطني للإعلام إبراهيم عوض، وحشد من الشخصيات الدينية، الاجتماعية والأمنية. وأرسل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون برقية نقل فيها التعازي بالذكرى الثانية للبعلبكي.
بدأ الحفل بالنشيد الوطني وكلمة ترحيبية من عريفة الاحتفال الإعلامية وداد حجاج، التي تسلّمت من الجراح والدكتور فانوس ميدالية المركز الذهبية.

الجميل: بعهده بقيت الصحافة سلطانة

الرئيس أمين الجميل قال: «وكأننا تواعدنا!
النقيب بعلبكي: شباط 1982، نقيباً للصحافة
أيلول 1982، رئاستي الجمهورية!
تلاقينا في هذه السنة، ليس على المناصب، بل على المسؤولية الوطنية!! لكي نتواصل ونتكامل!
محمّد البعلبكي، كان مذ ذاك، رفيق الدرب، مشيناها معاً في خدمة لبنان.
كان أول الوافدين للتهنئة بانتخابي، وقال لي وقتئذ: مهمة صعبة، لا تخف، كلنا إلى جانبك. أنا بجانبك، محمّد البعلبكي ونقيب الصحافة.
ومنذ ذاك الوقت لم يفاجئني يوماً، مشيناها اليد باليد، الكتف على الكتف، قلباً واحداً!
اذكر خلال وحشة القصر، في مراحل (المقاطعة)، بينما كان يخشى البعض الزيارة - وإن تجرّأ يمشي مع الحيط - كان النقيب يأتي مرفوع الرأس للإطمئنان، وللتشجيع، وللمشورة، وللمساعدة في التواصل مع كل الأجنحة والأطياف اللبنانية، إنه رجل الموقف والحوار، رجل الوفاء، رجل الملمّات الصعبة والشجاعة، رجل الوطنية الصافية.
كان الإنسان اللبناني الذي يفتخر بلبنانيته وبعروبته!!!
انه لا يخاف من قول الحقيقة، في ظرف قولها مرّ.
إنه لا يتهرّب من المسؤولية حيث يختبئ الكثيرون.
لا يتنكّر لاصدقائه في أيام ضيمهم.
هكذا عرفته، ولم يتغيّر.
بدأنا معاً عام 1982، مثّل السلطة الرابعة، بل حماها في أصعب الظروف من غدر المصابين بجنون العظمة والنافخين في أبواق الترغيب والترهيب لمصادرة القلم الحرب والرأي الحر والشعب الحر والوطن الحر.
عرفته عن قرب، بشخصه، بقيمه، بمقاصديته، بأزهريّته، بشراكته والسيدة الفاضلة الست سحر التي كانت السند والعضد.
كان مؤمناً ابداً بجمالية التلاقي وسماوية القيم التي تتشاركها الإنسانية وتتقاسمها الحضارات.
لم يسلّم نفسه يوماً للانتقام ولا للاستسلام! كان نصير الجهاد والاجتهاد!..
في المهنة، بقيت الصحافة عنده في حمى الأخلاق، وفي عصمة القيم، فمفرداته لم تعرف الألغام، وقبلاته صادقة لا سمّ فيها، وبسمته رضية لا غش فيها.
عاصر تاريخ لبنان بكل مراحله، بآلامه وآماله، بمخاطره وأمانه، بقوته وضعفه، بسيادته ومصادرة قراره، فكان في كل ظرف قامة في خدمة الوحدة الوطنية.
بقيت الصحافة في عهده سلطانة، بقيت سلطة لا تُخيفها عصاً ولا تُضعفها جزرة.
بقي عصيّاً على اغراءات الحقائب وعلى تهديدات أولياء الأمر!!
ما خرج يوماً من أدبه وما انحدر لحظة إلى حقارة الثأر، بل استقر في جدارة الفخر الذي استحقه كما استحق لبنان.
حبذا لو اهتدى وإحتذى أهل السياسة لكنّا اختصرنا فترة الاحتلال، ولما قضى من قضى من كبار القادة وأهل الفكر.
هو نقيب مقدام، تعامل بإنسانية مع كل ملف طارئ فرض نفسه في الداخل: من الوجود الفلسطيني المدني والعسكري، إلى الهيمنة السورية في كل مراحلها، وبقي شاهداً على حفظ الحقوق العربية، ومنتصراً للمضطهدين على الأرض، مقاوماً بقلمه كل اشكال الاحتلال!!
ما لوى له جانح، وما خذلته شجاعة، ولا خانته جرأة، فاستلّ قلمه الراقي وسأل حبره اللبناني مرصّعاً أبجدية السيادة رغم الاحتلال، والفكر الحر رغم الوصاية، وأضاء شعلة الحق العربي في سماء مظلمة.
جسّد النقيب الصديق محمّد البعلبكي بحضوره ذاكرة لبنان، وعمل على محو سجل الحرب ومتريسها وخنادقها ومربّعاتها، من وعي النّاس ولا وعيهم.
وتبرّع بعقله وخطّ بحبره مشروع السلم، فكان مساهماً مليئاً في عبور لبنان من حال العنف والعبث والضياع إلى الأمل والاستقرار والوجود.
شكراً لرفيقة عمره الست سحر على مبادرتها بالتعاون مع المركز الثقافي الإسلامي، في إحياء ذكراه، عربون وفاء وعبرة للمستقبل.
محمّد البعلبكي، في ذكراه الثانية، فقدته الصحافة، فقدته السيادة، فقده لبنان!!! عاش لبنان!

سلام: خاض معارك الحريات مدافعاً عن الديموقراطية

الرئيس تمام سلام قال: «أتوجه بالشكر إلى صاحب دعوة رئيس المركز الثقافي الإسلامي الدكتور وجيه فانوس، وإلى أعضاء الهيئتين الإدارية والعامة في المركز، الذين يعملون بلا كلل، وبروح عالية من المسؤولية، على إبقاء هذا الصرح منارة من منارات التفاعل الفكري الحر في بلادنا، ومساحة لتعميم الثقافة الإسلامية الحضارية الهادفة إلى تعزيز مفاهيم العيش الواحد بين اللبنانيين. نلتقي اليوم لنحيي ذكرى كبير غادرنا قبل عامين، تاركا في الحلق غصّة، وفي الوجدان بصمة لا تمحى، وفي الذاكرة شريط طويل هو، في آن معا، سيرة شخصية إستثنائية، وقصة وطن جميل، وحكاية مهنة ليست ككل المهن. هي حكاية شاب بيروتي خطا خطواته الأولى في مدارس المقاصد، حيث تأثر بأستاذ اللغة العربية نور الدين المدور الذي اكتشف موهبته وشغفه بلغة الضاد، ففتح له باب التدريب في صحيفة «الشرق» التي كان يرأس تحريرها. كما تأثر باستاذ مادة التاريخ زكي النقاش الذي كان له دور في تفتح وعيه. هي أيضا حكاية الفتى الذي انتسب إلى الكلية الشرعية (أزهر لبنان) لتلقّي العلوم الدينية، حيث زامل المفتي الشيخ حسن خالد والشيخ عبد الحفيظ سلام والشيخ مختار الجندي، رحمهم الله، قبل أن ينتقل الى الجامعة الاميركية في بيروت ليتخرّج حاملا شهادة في الأدب العربي، مسلّحا بموهبة أدبية ساعدته في صقلها جوليا طعمة، زوجة خاله بدر دمشقية، وإحدى رائدات العمل النسائيِ في لبنان في النصف الاول من القرن العشرين.بعد مسيرة عقود طويلة في العمل الصحافي، انتخب نقيبا للصحافة اللبنانية العام 1982 وأعيد انتخابه تسع مرات متتالية. وطوال توليه هذه المهمة، خاض معارك الحريات مدافعا بلا كلل عن الديموقراطية وتعدد الآراء، وكان على الدوام الصوت الصارخ المدافع عن قيم العدالة وتقدم الانسان. ناضل لحماية مهنة الصحافة والعاملين فيها في ظروف بالغة الصعوبة. واجتهد كثيرا لتعزيز النقابة، فأنشأ لها مبنى جديدا، جعله مساحة مفتوحة لكل باحث عن حق، ومنبرا لكل ذي ظلامة. لبنان محمد البعلبكي .. هو موطن الحريات، والحريات اليوم في خطر من خلال ما نشهده من ترهيب وإرهاب ومن تحليل وتحريم، وهي الظواهر التي قاومها البعلبكي ودفع ثمنها السجن. رفع محمد البعلبكي دائما لواء العروبة الصافية، والوحدة الوطنية الجامعة. وربما لا يعرف الكثيرون أنه تلقى، في مرحلة من المراحل، عرضا بتولّي منصب الإفتاء، لكنه آثر البقاء على نهجه في العمل الوطني البعيد عن أي قيد طائفي. في مسيرته الطويلة كلها، كان محمد البعلبكي رجل المواقف الحرّة الشجاعة، في مقدار ما كان رمزا للتهذيب والوداعة والإعتدال وتقدير الغير، ما جعله شخصية محبّبة مقبولة من الجميع، اتفقوا معه في هذا الرأي أو ذاك، أم اختلفوا. في ظل الأزمات الراهنة التي يعيشها لبنان، تزداد وطأة الغياب، ونفتقد أكثر من أي وقت مضى، النقيب محمد البعلبكي وأمثاله من القامات الوطنية وأصحاب العقولِ الراجحة. ذلك أن معالجة مشاكلنا تحتاج إلى الكثير من حكمتهم ودرايتهم وتبصّرهم وتواضعهم.. وشجاعتهم في القول والفعل. إننا نأمل في أن تتمكن حكومة الرئيس سعد الحريري، الذي نعرف شجاعته وإصراره، من النجاح في معالجة التحديات الكبيرة التي تواجهنا، وبخاصة الاقتصادية منها، في إطار التوجه الاصلاحيِ الذي رسمته لنفسها. ونأمل أن تنجح هذه العملية الإصلاحية في استئصال آفة الفساد التي يعاني منها لبنان. إن محاربة الفساد تحتاج، في المقام الأول، إلى تفعيلِ الأجهزة الرقابية القائمة، وإلى قضاء فاعل يلعب دوره كاملا كسلطة مستقلة بعيدا عن تدخل السياسة والسياسيين. لكن ما يقلقنا - في موازاة الأزمة الاقتصادية - هو حال الفوضى السياسية والإدارية غير المسبوقة التي لم نشهد مثيلا لها ربما في أحلك سنوات الحرب. الفوضى تعصف بكل شيء. بالمؤسسات والنصوص والقواعد، فتنتج ما لم يسبق لنا أن رأيناه من ممارسات وتجاوز للأصول، وضجيج وتهافت وفقدان ثقة بالدولة. كيف السبيل إلى وقف هذه الفوضى، التي تعطي الانطباع بتحلل آخر ما تبقى من ركائز الدولة؟ الجواب.. هو في العودة إلى المرجعيات الدستورية، التي تحدد أصول الحكم، وإلى النصوص القانونية التي ترسم الأدوار وتحدد الصلاحيات والمسؤوليات، وتعطي كل ذي حق حقه. الجواب.. هو في العودة إلى القاعدة الذهبية القائلة إن لبنان هو بلد التوافق والتوازنات، وأي محاولة للإخلال بمعادلاته من طرف واحد، بالتشاطر أو بالغلبة أو بقوة الأمر الواقع، لن يكتب لها النجاح وسترتد وبالا على لبنان واللبنانيين. واسمحوا لي أيها السادة، أن اكرر هنا ما سبق أن قلته:إن لبنان لا يحتمل الاستكبار.. ولا يحتمل السلوك الاستئثاري المسيء للمناخ السياسي في البلاد، بل يحتاج الى تضحية وتعاون وتعال على المصالح والأنانيات. إننا في حاجة إلى خفض الصوت قليلا.. والتواضع كثيرا.. والتبصّر طويلا.. في مشاكلنا التي تحتاج معالجتها إلى مسؤولية عالية، وإلى قدر كبير من الإحترام المتبادل الذي لا يلغي حق الإختلاف. رحم الله النقيب محمد البعلبكي، وعزاؤنا للعزيزة سحر حافظة الأمانة.. أمانة الإسم الذي لا ينسى والتراث الذي لا يمحى».

الفرزلي: نقيب الأصالة والأريحية

نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي ألقى قصيدة شعرية للمناسبة جاء فيها:
حزني دفاتر روضٍ.. ووعدُ غيمة في رؤى العمر الوريف
آه يا بُعد كم تشعل أرصدة من سهاد..
والذكريات.. تستظل مواجع فراق كثيف
وكأني جئت وما برحت في حلم شفيف
ودمعي درة الوجد الرهيف...
سأتيك محمّد البعلبكي أحمل وزري وعذري
فأيّان يهطل حزني زهوراً
ينسج ضوء كلمة.. انا منها نبضة محتدمة
حروفها في شغاف الصدر تتذخرُ
وبالضياء وشاح الحق تأتزر
نقيب الأريحية، لؤلؤة تاج النبل نظير الصنوبر
في ابان شمخته يصهر الجبلا في أوّج منعته
لن تغرب.. في صميم الدهر مرساك
وشمس اللغة يخلبها بهاك
نقيب الأصالة ترف في ربوات العز
تُباهي زهوة القمم.. زاخر الإبداع في الهمم
في السمع وقع صداك، لو به صمم
معك نتوق للكلمة العصماء.. ننشدها
في هيكل لغتك نرصدها، يستوطن العقل رغداً
في خميلتها.. ويستساغ النمير العذب، موردها
محمّد البعلبكي.. هامة كأعمدة بعلبك
يا غُرّةً شمّاء.. رفعة هام الروابي.. لا ادّعاء
يمرُّ كالنهر يحيينا ارتواء.. كالشمس يغمر سمانا بالضياء
محمّد البعلبكي حسبك أنك في أعلى مقام
الثريا والسُهى أعلى سنام
ان تكلمنا عنك فكالبحر الكلام
اسمع همسك هناك في أعلى عليين
تردّد إلى سفر اجيء ولا أروح
أليس بكل جارحة ضريح
بقلبي قد وسعت الله حباً
فباركه محمّد والمسيح
وآيسني ببُعد الهجر موت
فآنسني بقرب فيه روح
فرحت مهاجراً جنات نفسي
وفي نيران جنتها اسوح
وما جزعي أنا الياقوت فيها
يجوهرني اللظى أنّى أروح
إذا القرآن أعجزني مداه
ففي نهج البلاغة أستريح
وفي كل الحروف لنا تجلى
جلالُ الوحي واتسع الفصيح
اصوغ سفينتي بُعداً تعرى
كما سرُّ السفينة صاغ نوح
افلكها مدارات الثريا
وتحملني مع الأشواق ريح
إذا غاصت إلى الأعماق نفسي
اقلتني إلى الآفاق روح
وتفنى الذات في ذات تراءت
ويرفلُ بالسنا الصقر الصدوح

الجراح: كان صوتا يهزُّ الضمائر

 
 الوزير جمال الجراح قال: «ليس سهلا الكلام عن محمد البعلبكي كمناضل وكصحافي وكنقيب وكإنسان وهو الذي لم تتعبه الأيام ولم يتعب منها فبقي واقفا في وجه الأعاصير حتى الرمق الاخير فلم يلين ولم يهادن ولم يساوم على رغم انه كان دبلوماسيا من الطراز الرفيع يوم كانت الظروف تفرض التعاطي معها بحكمة ورويّة ومحمد البعلبكي كما عرفته كان يرفض ان يقال له شيخ الشباب بل كان لقب شاب الشيوخ هو الأحب على قلبه وذلك لما كان له من مساحة واسعة في كل الأمكنة بدينامية إستثنائية وحيوية تضاهي حيوية الشباب وهو الذي كان يردد دائما قول المتنبي: على قدر اهل العزم تأتي العزائم وتأتي على قدر الكرام المكارم. فهذه الأبيات التي كانت نهج حياة وسلوك جعلت الراحل الكبير الذي نستذكره اليوم غير مستسلم لواقع تراكم السنين فكان يسير دائما عكس التيار ويغرّد خارج سرب ما فرضته الحرب العبثية من تباعد بين اهل الوطن الواحد فكان يتنقل بين خطوط التماس رافضا فكرة الحواجز المصطنعة التي تمنع تلاقي اللبنانيين فكانت الشرقية بالنسبة إليه غربية والعكس صحيح وفي كلاهما كانت له صداقات لم تنقطع لانه كل يوم يؤمن في عمق أعماقه ان ما بين اللبنانيين من علامات الجمع أكثر بكثير من علامات القسمة وهو الذي كان يتعمّد أن يستشهد في خطاباته السياسية بآيات من القرآن الكريم عندما يكون في الشرقية وبأيات من الكتاب المقدس عندما يكون في الغربية وهو كان في كلاهما ضليعا».
وتابع: «محمد البعلبكي رجل استثنائي في ظروف استثنائية وهو الذي عاصر الكبار من رجالات الاستقلال وكان بينهم كبيرا وعايش الصغار في همومهم وكان الى جانبهم في دفاعه المستميت عن حقوقهم فكان صوتا يهزّ الضمائر فكما آمن محمد البعلبكي بلبنانه وعمل على رفع شأنه في كل المحافل وعلى المنابر ورفع الصوت عاليا في وجه الطامعين به وبخيراته نجدد اليوم ايماننا بأن مستقبل لبنان سيكون واعدا ومشرقا بوحدة أبنائه وتضامنهم على الخير على رغم الظروف المعاكسة مع تجديد الثقة بحكمة الرئيس العماد ميشال عون والرئيس سعد الحريري الرئيس نبيه بري الذين يتعاونون مع جميع المسؤولين لإخراج المواطن مما يتخبط به من محن».
وختم: «نشكر رئيس المركز الثقافي الاسلامي الدكتور وجيه فانوس على هذه البادرة التي جعلتنا نتذكر رجلا وطنيا وهو الحاضر دائما في فكرنا وقلبنا».

داوود: أزمة لبنان ليست عصيّة على الحل

 ممثل وزير الثقافة الدكتور محمد داوود، ناصيف نعمة قال: «كلّفني وزير الثقافة تمثيله بهذه المناسبة التي نحيي بها ذكرى نقيب الصحافة ورئيس الشرف في المركز الثقافي الإسلامي المرحوم الأستاذ محمد البعلبكي الذي حُفر أسمه بماء من ذهب في سجل الصحافة المكتوبة ونشرها وتوثيقها بحبر الفكر وفن الكلام في عاصمة الصحافة العربية بيروت أم الشرائع وهو اسم لفكر يستحق التكريم لعطاءاته وانجازاته ورؤاه الجامعة ومسيرته الخلّاقة وانموذجه الغني بالصداقة والوفاء والأداء الذي يلتقي فيه الصحفي بالحقيقة والحرية والعقلانية والأسلوبية، وهو المسلم القومي العلماني الذي أمن ان الصحافة هي مرآة الأمة ومقياس نهضتها وأوعية تاريخها وفارس أزقتها، ان تتحدث عن محمّد البعلبكي فذاك أمر صعب لما للرجل من مزايا وحكايا وقضايا آمن بها وعمل لأجلها حتى أسلم الروح وهو بعد لن يستريح ولن يسأم تكاليف الحياة.
ورغم كل المحن التي أصابت لبنان بقلبه وأطرافه وأطيافه كان محمّد البعلبكي وباجماع من عرفه يقرّب المسافات بين الجميع ويصرح ويجاهد ويعيد لذاكرتنا كل الوفاء كنبض ضياء حتى قضى وهو يحلم بوطن آمن ومستقر ومزدهر لوطن ما زال يُعاني من أزمة اقتصادية وهجرة شبابية بلغت مداها وهي في تزايد مستمر وارتفاع ملحوظ فاق الحدود.
أيها السادة: ان أزمة لبنان اليوم ليست عصيّة على الحل إن أرادت جميع الأطراف إنجاح الخطة الاقتصادية بشفافية ورؤية ومسؤولية للحؤول دون تعميق الضعف الاقتصادي، فالتحسينات المطلوبة يجب ان توفّر الحماية للفئات الأكثر ضعفاً، وخفض عجز الموازنة يمكن أن تؤمن دون المس برواتب موظفي القطاع العام وأصحاب المصالح الريعية لهم القدرة على الدعم دون المس بمصالح الطبقة الشعبية وهم الحلقة الأضعف في هذا المجال، والحقيقة تقال ان وقف الهدر العام يرتبط بالموارد الرئيسية والإيرادات الجمركية ومخالفات المباني والعقارات والضرائب على الأملاك البحرية والنهرية وخفض فاتورة الكهرباء والاستغناء عن المباني المستأجرة وغير المستثمرة، دون المساس بحقوق الفئات المتعثّرة أو الحد من تقديمات الصناديق الضامنة، فالمشكلة الكاملة هي في الأداء وليس في الضغط على الطبقات المتوسطة التي تكاد تلامس طبقة الفقراء.
الحلُ هو ان تكون ثقافتنا في المواطنية جامعة للبنانيين بعيداً عن الطائفة والمذهبية والحركات والتيارات الحزبية ومكتسبات محازبيها وناخبيها.
ان الاختزال الحزبي أو المزاج الطائفي هو تدمير للوطن وتيأيس للمواطن. لذا علينا ان نتفق على النهج والآليات بكافة المفردات والمؤشرات التي يتشارك بها الجميع فالوطن والدولة والاقتصاد والمستقبل والتغيير هو انجاز مشترك، ان وضوح مسار حكومتنا يجنّبنا الالتباس والانتكاس. وعلى هذه الموجبات تترتب شروط الحركة المتفاعلة الصادقة الجامعة بين إصلاح الحكام والحفاظ على مكتسبات المواطنين دون افتئات أو انفلات من الذات العاقلة المراقبة. لذا علينا ان نكوّن اقتصاداً يحقق الاستقرار لا أن يكون فقط لمرحلة عابرة.
بالعودة إلى النقيب البعلبكي الذي أسّس لتعابر الأجيال بين الصحافة المكتوبة والصحافة الرقمية كما أسّس للحرية المنشودة في القول والمفقود في العمل، بالعودة إليه حيث وافته المنية الشهر الثالث من العام 2017، عن عمر مليء بالشغف والحب وحرية الكلمة. نقلو ان هامات امثاله تأبى الأفول فهو قامة صحفية وفكرية أسرة كان يتحدث بلغة صادقة صافية، فهو ينتمي لجيل ذهبي لا يعرف التقاعد ولا يتعبه العناء.
 النقيب محمّد البعلبكي سيبقى خالداً في عالم الصحافة اللبنانية مهما تبدّلت الظروف وتغيّرت الأحوال، محمد البعلبكي بك تضرُب الأمثال، رحمك الله في ذكرى غيابك. والسلام عليكم.

العريضي: استحق بجدارة لقب نقيب الشرف للصحافة

الوزير السابق غازي العريضي قال: «أتوجه إلى زملائي في المركز الثقافي الإسلامي وإلى عائلة الرئيس الراحل د. عمر مسيكة بالتعازي الحارّة لغيابه عنا وهو رئيسنا لفترة طويلة في المركز، نشط في مواقف سياسية وإدارية وكان لامعاً ووفيّاً لخدمة وطنه لبنان وأتوجه إلى الرئيس الحالي د. وجيه فانوس وزملاء المركز على تنظيم هذا اللقاء التكريمي لراحل كبير من لبنان افتقدناه جميعاً في كل مواقع علمنا ووجودنا ان الرجل الذي استحق بجدارة لقب رئيس شرف للمركز الثقافي الإسلامي وكل كلمة من هذه الكلمات شرفها محمد البعلبكي وهو الأزهري الاشعري المنبري الذي اكتسب من الإسلام ثقافة ومعرفة ولغة وعلماً وفكراً وروح اعتدال اخلاقية أطلّ بها على كل العالم ومارسها في كل حياته وفي مختلف المواقع والمراكز والمسؤوليات التي احتلها القومي السوري الاجتماعي النهضوي المؤمن بقضية قومية كان جوهرها وأساسها ولا تزال بالنسبة إلينا فلسطين الحية باصالتها وشهدائها وتراثها وشيوخها ولغاتها ومجاهديها وعنفوانها ومقاومتها، زاوج بين انتماءه القومي وبين انتمائه الإسلامي فكان رمزاً من رموز هذه الأمة وكرامتها وعنفوانها ونضالها ومجاهديها استحق بكل جدارة ان يكون رئيس شرف للمركز الثقافي الإسلامي لأنه حفظ كرامة الثقافة الإسلامية وشرف الثقافة الإسلامية التي يتخلّى عنها الكثيرون. استحق بجدارة اللقب الثاني نقيب الشرف للصحافة اللبنانية الذي مارسها بقوة وقناعة وعناء وانتماء أصيل وانحراف لبنان إلى كلمة الحق والعدل والحرية والديمقراطية. جسّد شرف الكلمة وادائها وعمقها وقوتها وانسانيتها واخلاقيتها وموضوعيتها ورسالتها وامانتها وكرامتها في كل كلمة قالها وفي كل محفل كان حاضراً اعتزت الكلمة واعتزت المنابر مع محمّد البعلبكي يوم كان يقف امامنا خطيباً منبرياً يقول كلمة الحق يدافع عن الحرية والديمقراطية والعدالة في لبنان يكرّم زملائه الصحافيين الإعلاميين يدافع عن حقوقهم وعن حريتهم وعن كرامتهم ويواجه كل المحاولات للتصدّي لهؤلاء الأحرار وحفظه حرمة المهنة وكم نحن بحاجة إلى هذا الموقع، إلى هذا الموقف، إلى هؤلاء النّاس الذين يحملون هذه الرسالة ويجسّدون في عملهم ومهنتهم ما جسّده محمّد البعلبكي في حياته. في هذا اليوم بالذات ونحن نستذكره ونقف أمام مسيرته الفنية وفي ما يشهد لبنان، أتوجه بكلمتي الأولى من موقع الزمالة لاحبائي ورفاقي في الإعلام عموماً تمنى علينا واجب احترام الكلمة وتقديم الموقف على أقصى حدود الموضوعية والمعرفة واحترام الآخر ونقد الآخر والتفاعل معه وكشف الحقيقة ومواجهة المسؤول عندما يخطئ هذا واجبنا أياً يكن الثمن واياً تكن التضحيات ومن الموقع ذاته ومن موقع سياسي ومسؤول أتوجه إلى كل المسؤولين في هذه الدولة وخصوصاً من هم في موقع المسوؤلية والكلمة القوة فيكم عندما لا تخافون كلمة والقوة في مواقفكم عندما تحترمون أصحاب الكلمة الحرة. اليوم انه أمر مُعيب ان نشهد استقواء على صاحب كلمة في موقع التواصل اجتماعي أو موقع صحافي أو اعلامي حتى لو كانت السلطة تعطينا حقا نحن معنيون ومسؤولون عن حقوق الآخرين، نحن مطالبين عن حماية حقوق أصحاب الكلمة الحرة في التعبير عن رأيهم. تعالوا نتفاعل مع بعضنا البعض لنناقش قضايانا بكرامة وعزّة وشراكة وطنية حقيقية نحمي فيها لبنان وتراب لبنان الذي في أساسه هذا التنوع الكبير الذي يُميّز هذا الوطن ورسالته، هذه الحرية التي طالما كانت الغنى والثروة الأكبر في هذا البلد هي رسالتنا بكل أمانة إلى كل العاملين في هذا القطاع.
محمّد البعلبكي لا استطيع ان اقدم لك شيئاً في هذا اللقاء وفي كل لقاء يحمل اسمك الا أن أرد لك كلمات كنت تخاطبني بها دائماً فأقول لك أيها النقيب الأحب الأعز الأغرّ السلام عليك حيث أنت والسلام لمسيرتك وسيرتك العطرة.

فانوس: للاقتداء بنهج الراحل المشجّع للحوار 

الدكتور وجيه فانوس قال: «ها نحن نلتقي اليوم لتكريم ذكرى رئيس الشَّرف في المركز الثقافي الإسلامي، النَّقيب محمد البعلبكي، في السنة الثانية لغيابه. وما كان ليخطر على بال أحد منا، أننا، ونحن في يوم الذكرى الثانية لغياب رئيس الشرف الأستاذ محمد العلبكي، سنكون في اليوم الثاني لغياب كبير آخر من كبار المركز الثقافي الاسلامي ورئيسٍ للشرف فيه، عنيت سعادة الدكتور عمر مسيكة!
بالأمسِ، ودَّعنا الكبير «عمر مسيكة»؛ مسافراً إلى دنيا الحق. وقبل سنتين، كنا قد ودَّعنا الكبير «محمَّد البعلبكي»؛ مسافراً، كذلك، إلى دنيا الحق. ولا أظن، إيها الأحبة، إلاَّ أنَّ عمر مسيكة قد وصل الآن، وهو في حمى الرَّحمن، إلى «سقيفة» المركز الثقافي الاسلامي» في الدَّنيا الآخرة. ويغلب على ظنِّي أن الغالي الدكتور مسيكة، قد التقى هناك، فور وصوله إلى تلك «السَّقيفة» الغالية، دولة الرئيس تقي الدين الصلح، صاحب فكرة تأسيس المركز ومن عمل بإصرار وكدّ على حسن انطلاقه؛ كما التقى معه، رؤساء المركز السَابقين، عماد الصلح وأكرم زعيتر ونسيب البربير ومنح الصلح. ولا أظنَّ، في هذه الحال، إلاَّ وتقي بك يسأل الدكتور مسيكة عن أحوال لبنان وناس لبنان وأوضاع المركز؛ وأخال أن عمر مسيكة، سيجيب تقي بك قائلاً إن اللبنانيين بدأوا حملة توحُّد وطني كبرى في ما بينهم؛ وهنا يبتسم الرئيس تقي بك، ويقول لقد نجح الميثاق الوطنيُّ إذاً؛ ويفاجأه عمر مسيكة بالقول لا؛ لم ينجح. ويقبل أكرم زعيتر مستوضحاً، هل سيتوحَّد اللبنانيون بما حققه المجتمع الاسلامي المحيط بهم من تقدم حضاري ورقي ثقافي؟ ويرد الدكتور مسيكة، بأن هذا المجتمع ما انفك يئن تحت ضغوط العصبيات القاتلة والتعصبات العمياء والانقسامات المذهبيَّة. ويتدخل الأستاذ منح الصلح، ههنا، بتفكيره العروبي وسخريته الذكية والراقية في آن، ويقول، إذاً فلا بد وأن انتصار الفكرة العربية قد جمع بينهم ووحّد شملهم؛ ويرد عليه عمر مسيكة، يا منح بك لقد باتت العروبة بأسوأ حال مِما كانت عليهِ وقت تركتَ أنت الدنيا ووصلت إلى سقيفة المركز الثقافي الإسلامي ههنا. وهنا، يتدخل النَّقيب محمَّد بعلبكي متسائلاً عن فاعليَّة الثقافة الوطنية الجامعة؛ ويرد عليه الدكتور مسيكة، بعصبيته المعهودة، لا، يا نقيب، ليست الثقافة الوطنية الجامعة من سيوحد بين اللبنانيين ويجمع كلمتهم؛ بل هو شديد وجعهم وعظيم ألمهم مما يحيق بالوطن من فساد إداري ومالي وسوى ذلك من أوجه الفساد العامة والخاصة؛ ولذا فقد كان آخر ما وضعت من مؤلفات لي بعنوان «لئلا يضيع وطني».
يخال إليَّ، أيها الأحبة، أن شعوراً بأسى بالغ لفَّ وجود ناس هذه «السقيفة»؛ لكنهم ما لبثوا أن صدحوا، بإشارة من النَّقيب محمَّد البعلبكي، بالنشيد الوطني اللبناني؛ وقد عمَّت نغماته أرجاء السدرة وما حولها نزولاً إلى بيت المقدس ووصولاً إلى مقر المركز الثقافي الإسلامي في بيروت.
نحن، في المركز الثقافي الإسلامي، لا نكرّم اليوم ذكرى النقيب محمَّد البعلبكي، لأنه من رجال الصحافة وناسها وصاحب القصب المجلّي في ساحاتها، فهذا شأن الصحافيين؛ لكننا نكرّم ذكراه لأنه أنموذج رائع من نماذج الثقافة الإسلاميَّة في تعاملها الإيجابي البنّاء مع الثقافة الوطنية في لبنان.
نعم، أيها السادة، إن محمد البعلبكي، الذي بدأ حياته طالباً للعلم الديني حتى تسنّم في هذا المجال إلقاء خطبة الجمعة من على منبر الجامع العمري الكبير، هو عينه محمَّد البعلبكي الذي امتشق قلم الفكر والأدب ليدافع عن حرية لبنان وحقه الأمثل في الديقراطية، وهو عينه صاحب العقيدة السياسية التي سجن بسبب انتمائه إلى أفكارها، وهو صاحب الكلمة السواء بين جميع اللبنانيين، على أخنلاف عقائدهم وتنوع مذاهبهم وتعدّد مناطقهم وتبدّل سياساتهم؛ هذه الكلمة السواء التي ما كانت تسعى إلا إلى تعزيز الوجود الوطني في لبنان، وكانت ترى في ما هو وطني سموّا فذّا عن كل ما هو سياسي وآني.
هذا هو محمَّد البعلبكي الذي جعل من الثقافة الاسلامية دعامة أساساً للوجود الوطني في لبنان، وهذا هو محمد البعلبكي الذي ما ارتضى، بإسلاميته وعروبته، إلاَ أن يكون مواطناً لبنانيا ملتزماً بلبنان الحضارة والثقافة والعطاء. هذا هو محمَّد البعلبكي الذي أسماه المركز الثقافي الإسلامي رئيس شرف له، وهذا هو محمد البعلبكي الذي نرى في منهجه أنموذج خير لتوحيد لبنان وجمع صفوف ناسه.
تحية منا جميعاً، في المركز الثقافي الإسلامي، إلى النقيب محمَّد البعلبكي، في الذكرى السنوية الثانية لغيابه، ودعاء منا جميعاً إلى رب العالمين ليتقبّل الدكتور عمر مسيكة في رحاب جنانه، وأن يتنزّل بشآبيب الرحمة والرضوان على تلك الثلة من أهل «سقيفة» المركز الثقافي الإسلامي».

سحر البعلبكي: نصير النساء ومدافعاً عن الحرية والرأي

كلمة العائلة ألقتها سحر البعلبكي وقالت فيها: «لك مني يا سيدي ألف تحية وسلام، 
يا من بعثك الكريم لي من الغيوم… وجعلك بقدرته رسوله إلى حياتي.. يا من مددت لي يدك العطوفة وأخذت بيدي.. وتحدّيت كل الظروف والتقاليد والأعمار والبشر.. وجعلتني رفيقة لدربك الجميل..
.. بكرمك سيدي منحتني اسمك الكبير.. وحبك العظيم الراقي… وحملتني على كفيك المباركتين وطفت بي بين الكبار.. وبين البلاد والبشر.. علقتني كالوردة الحمراء على صدرك الواسع، وتباهيت بي أمام الملأ… فكم أنت كبير أيها الكبير.
... كتبت لك رسالتي هذه يوم ذكرى إعلان دولة لبنان الكبير.. يومها.. كنت واقفاً كبيراً بين الكبار.. شامخاً كشموخ الأرز.. معتزاً بأنك من عمر الوطن.. لقد ولدت بمولد الوطن.. وولد الوطن بك.. ولدتما معاً ونشأتما معاً.. كنت وبإصرار عنيد تأبى إلا أن تكون عاموداً صلباً يحمي الوطن ويحافظ عليه ويرمي بنفسه بقلب النار، أيام لبنان العصبية، لينتشل أبناؤه من الجهل والتطرف والعصبية.. تركض من هنا إلى هناك بين الألغام، لتوفق بين أبناء الوطن، وتأبى الاستسلام.. وكيف لا.. ولبنان رفيقك الذي تعشق..
... يمدحونك كثيرا سيدي.. يقولون فيك أجمل الكلام والعبارات.… يعشقك النساء… وكيف لا وأنت نصيرهن.. يفتحون بوجهك كل الأبواب مرحبين فخورين.. ينتظرون وقوفك على المنبر متشوّقين ملهوفين.. توّجوك ملكا على رأس الصحافة خاضعين مسرورين.. نقيبا للصحافة اللبنانية لثلاثة وثلاثين سنة، بالإنتخاب والإجماع وبالمحبة طائعين، يلجأون إليك في أصعب الظروف والمواقف لأنهم يعلمون لمن يلجأون، إلى الكبير الكبير.
... آه سيدي كم أشعر بخجل وبأني مهما حاولت أن أعبّر.. صغيرة بحبي وعطائي وتقديري أمامك أيها الكبير... أشعر بخجل أمام كبر عظمتك وعطائك وكيف لا؟ وأنت الكبير … وأنت بعمر الوطن...
.. يا من كنت الزوج والحبيب والصديق، الذي عمل بحق بقوله تعالى: «وجعلنا بينكم مودة ورحمة». وكنت لي ولأبنائنا الأب العطوف الذي غمرنا بعطفه وبكرمه اللامتناهي.. يا من كنت الصديق الصدوق لكل من عرفك.. يا من كنت النقيب الذي جعل وبجدارة نقابة الصحافة تشمخ عالياً كأرز لبنان.. إن من حيث مبنى النقابة الذي أنجزته واصرّيت ان تكون من أهم النقابات اعلاءً لشأن الصحافة.. إن من حيث الإنجازات الكبيرة والعديدة التي بجهدك وصدقك واخلاصك انجزتها.. والتي تحفظ حقوق الصحافة والصحافيين.. وان من حيث دفاعك الدائم عن الحرية بشكل عام، وعن حرية الصحافة وحرية الرأي والكلمة.. وقد منحت وبجدارة لقب «حامي الحريات».
.. يا من تواجهنا كلماتك ضاحكة.. صارمة.. مدوّية كقنابل إعلامية.. تخرج صرختك من حناجرها.. يا من كتب قلمك صرخة أوجاعنا.. يا من رسالتك عنفوان، حرية وقضية.. يا من كنت قائداً يصرخ بقلمه وبأعلى المنابر بوجهه المهيمنة الصهيونية.. ليبلسم جراح القضية الفلسطينية.. يا من مسرح ساحاتك النضالية.. تهتف من على منابرها.. «نضال.. تحرير.. حرية» وقد منحت وبجدارك لقب «سيد المنابر».
يا من امتدحك الشاعر الكبير خليل برهومي حيث قال فيك:
.. أنقيب.. لم تعرف صحافتنا يداً بيضاء مثل يديك ولا عرفت أباً.. أعليت شأن الحرف في وطني وقد صارت نقابتنا من عهد صرحاً هي منبر حرٌ ومسؤول معاً.. في ظلك الميمون تبقى في صباً.. دوما تحلق في العلاء لانك عرفتك منذ اتخذت هذا المنصبا.. صارت صحافتنا بعهدك قلعة شمّاء تشمخ في الجبال وفي الربى.. سيسجل التاريخ اسمك ناصعاً، بين الرجال الخالدين مذهباً..
.. أيا نقيب اليوم بعد كل هذا رحلت.. سلمت الأمانة ورحلت.. أي نوع هو هذا الرحيل..؟ سنتان مرّت على رحيلك ولم ترحل أبداً.. سنتان مرّت.. ولم يمر يوم واحد ولم تكن فيه أنت الحاضر الأكبر..
بكل جلساتنا.. بكل لقاءاتنا.. بكل حواراتنا.. أنت الحاضر وبك وعنك يكون أجمل وأرقى الكلام.
يا نقيب.. اليوم أعاتبك، بقلبي الحزين وعيوني الباكية. وأقول لك اهكذا..؟ أهكذا يا نقيبنا وبغير استئذان تتركنا وترحل..؟ في هذا المدى الواسع.. رحلت كالنسمة الناعمة ولم تترك وراءك سوى العبير الطيب وقلبي الحزين.لا.. لا.. يا رفيق عمري.. أنت لست براحل أبدا.. أنت ها هنا.. جالس أمامي تبارك هذا اللقاء.. بوجهك المنير وضحكتك الجميلة وبروحك التي ترفرف حولنا.. تنظر إلينا بفرح وتدفق علينا بمحبتك... وها هم أصدقاؤنا وأحباؤنا الأوفياء قد جاءوا بشوق إليك، مجتمعين على محبتك.
أيا نقيبنا اشتقنا إليك.. واشتقت لك كثيراً.. ونفتقدك بكل الأمور والمحطات.. أينما أنت الآن.. فإني اراك جالساً بأناقتك ولياقتك ولطفك.. محاطاً بأروع الورود والأزهار.. بجنتك حيث أنت الآن.
... رجاء يا حبيبا إبقِ نظرك علينا، إحطنا بمحبتك، وظللنا بروحك الطاهرة.. لتزرع فينا الأمل والمحبة كما عهدناك دائماً..
ونحن يا حبيبنا نعدك اننا سنبقى لك ولنهجك ولعطاءك أوفياء.
دمتم وعشتم وعاش لبنان سيداً حرّاً مستقلاً.. يشمخ ويفتخر برجالاته الكبار.