بيروت - لبنان

اخر الأخبار

8 كانون الثاني 2020 12:00ص الأعمال الفنية التي تنتج حالة من سوء الفهم

حجم الخط
تتضاءل حاليا الصورة الفنية التي تنتمي للفن المعاصر وتخرج من التقليدي أو الكلاسيكي نحو نطاق أوسع، وتتأزّم أكثر كلما تجدّدت إبداعيا مع كامل المعايير الجمالية أو بدونها، فالفن المبهم يولد الإرباك لدى الجمهور ولدى النقّاد أيضاً، إذ يسبّب الإحراج ويؤدّي الى فقدان القيمة الفنية أحيانا خاصة ان اعتمد على الانفعالات العاطفية، وعلى الفكرة التي تتجلّى من خلالها قضية ما، كما صورة الموزة المعلقة المرتبطة بحروب الموز، إذ تبدو القضية الجمالية مشوّشة وغير واضحة المعالم الفنية، وتميل الى الاستهداف البصري المباشر الساخر والغاضب من القضايا السياسية أو الاجتماعية، وبعيداً عن السريالية بالمعنى الدقيق معتبراً عمله هو متعة انفعالية تجسّد قضية تستفزّه بشكل أو بآخر. فهل تخلو هذه الأعمال من القيمة الفنية؟ أم انها فكرة عابرة تنسجم مع ما يتمُّ طرحه من قضايا في معظمها هي اشكاليات، وتثير جدليات كثيرة، منها موزة الفنان «موريتسو كاتيلان» وما تمثلها أو لوحة ما وما تمثلها من معالجات أو إثارة بصرية تنتمي الى الأعمال الفنية التي تنتج حالة من سوء الفهم.

ما من توافق بين الفن المعاصر المتحرر من الكلاسيكية والمعايير، وبين الفن المنتظم الملتزم بالأدوات الكاملة تقنياً دون تعقيد في رؤيته وتحليله، وأيضا دون شك في صحة قيمته الفنية ودون إنتماء الى فن اللا فن المثير للكثير من التساؤلات، ومنها الاعتراف بالفنان نفسه ومدى التزامه بالرؤية الفنية خلال مسيرته، وهل تمثل قفزته هذه نوعا من الانتفاضة الفنية على الفن نفسه وعلى الجمهور والنقاد؟ أم هي إنتهاك لجوهرية الابتكار في العمل الفني واحترام القواعد الابداعية التي تتضمن الفكرة وقيمتها وقدرتها على إثارة الجدليات والاهتمام، وتخطّي حدود الالتزام بالكامل إلا من الفكرة التي تشكّل انتفاضة كبرى، لكن يبقى السؤال أليس الهدف من الفن هو إثارة الاعجاب والسرور والبهجة العارمة في النفس؟ ألم تحقق موزة الفنان هذه العناصر؟ أم انها تنتمي لشعار الدادائية أفعل أي شيء؟ وهل ضرورة هذه المقولة تحتاج للاعتراف بمقدرة الفنان سابقا؟

تتضاعف قيمة العمل الفني ماديا عندما تتضاعف الاشكاليات التي تصدر عنه أو ما يصدر عنه من تكهنات تصبّ في مجملها عن نوعيته أو هويته أو حججه الرؤيوية التي اتخذ منها الفنان وجهته للفت الأنظار الى عمله، وإدراكه في العمق قيمة العمل الذي جعل منها مصدراً غوغائيا يثير ضجة إعلامية تؤدّي الى ارتفاع قيمته بشكل أكبر، وبالتالي الاعتراف الضمني فيه ومنحه صفة إدراكية من الناحية النظرية للفكرة وقدرتها على الاختزال. فهل استطاع الفنان الايطالي «موريتسو كاتيلان» توفير عاطفة جمالية تؤدّي الى استقطاب النظر، وبالتالي فهم حروب الموز ومعضلاتها من موزة على جدار؟

كل عمل فني هو تعبير عن حالة ما أو رؤية ما وما الى ذلك، ويؤكد الفنان على ذلك من خلال التفاصيل والمسميّات التي يلجأ إليها في التنفيذ، لإرضاء الذات وبث السخرية من الداخل للخارج، بمعنى منه الى الجمهور ليتلقّى التفرّد في التنفيذ أو الأحرى التوقيع الخاص لصاحب العمل أو بصمته التي تتضمن العلامة الفنية، لتلعب دورها في المزايدات، وبتعاطف لا يقل أهمية عن عقلنتها ومنحها المعطيات القادرة لجعلها أيقونة المزايدات التي رفعت من رصيدها المادي والمعنوي سواء كان فعليا أو حسيا، لأن الموزة الملصقة على جدار هي فكرة ذات رصيد لخلق المزايدات وتتناقض مع رؤية الجمهور لها لانها لا تحقق المتعة البصرية بل تجعلنا في شك دائم فهل نعيش في أزمة فنية كبرى؟