بيروت - لبنان

اخر الأخبار

13 أيلول 2019 12:06ص التاريخ المشترك.. الثقافة المشتركة

حجم الخط
 جميل ضاهر*

في حياة الأوطان وفي مسيرة التاريخ محطات هي في الواقع مفترقات مصير. ونحن اليوم في لبنان وفي وطننا العربي الكبير أمام واحدة منها ربما كانت من أشدّ مفترقات تاريخنا خطورة وقلقاً. إذن نحن إزاء تحدّيات مصيرية مما يستوجب توحيد القوى الثقافية الى جانب القوى الأخرى في المجتمع والإفادة من طاقاتها للعمل على اجتياز الواقع الصعب والتخطيط للغد المرتقب بالتوعية الثقافية أي بالعقل والابداع والريادة أي بغير ما هو عليه الحاضر. وان أخطر ما في هذا الحاضر هجرة المثقفين عن أنفسهم وغربتهم في أوطانهم فلا يعطون الدور الفاعل في القضايا العامة. ان المجتمع العربي اليوم بحاجة أكيدة الى مراجعة فكرية تبرز في الجرأة على طرح مواضيع جديدة تعبّر عن حاجة الفكر الى أن يعيد فحص مفاهيمه كخطوة أولى على طريق إعادة تأسيس نفسه كفكر عامل وإيجابي. 

اننا نرنو من جديد الى وضع ثقافي متميّز يعملقنا من أجل وطن مميّز بعراقة تاريخه وتجذّر شعبه بالأرض التي يحكي كل شبر منها قصة ويروي تاريخاً الى جانب عراقة الجغرافيا من محيطه الى خليجه، وانه كان ولا يزال يؤلف هذه العائلة العربية الكبرى عائلة اللغة المشتركة والتاريخ المشترك والثقافة المشتركة والتطلعات والمصالح والطموح المشترك والرؤية المتسامية لجوهر الحياة والأديان ولقيمة العلم في بناء الإنسان، للخروج من الأمر الواقع الذي فرض علينا منذ أجيال الى دنيا المعرفة نحطم بها تماثيل الهوان. ولم يعد جائزاً النظر برؤية عادية للحياة والمستقبل بل بات من المحتم أن نعالج شؤوننا العامة عن طريق الثقافة والمعرفة روحاً ونهجاً. وقد تواعدنا على أن تكون لنا مواسم مؤتمرات ونشاطات ولقاءات دائمة للمحبة والعطاء والسمو ننشىء حقولاً عجائبية السنابل لا تقع واحدة منها على الأرض الا وحولها بيدر يجني. اننا في هذه السنوات الأخيرة من القرن العشرين على أبواب رحلة جديدة في تاريخ البشرية. ان العالم يتهيأ ، مع حلول القرن الواحد والعشرين، للدخول في عصر جديد هو حصيلة تجارب كبرى على صعيد التطوّر التاريخي، والشعوب ستدخل فيه كل من مستوى تطوّره، من المنجزات التي يكون قد حققها. وسيتحدد موقع كل شعب في هذا العصر استناداً الى ما يقدمه من منجزات الى حركة التقدّم العامة، مما يحدو بنا الى الدخول في العمق التاريخي العربي من جهة والى إستيعاب الحضارة الحديثة والمشاركة في حركة التاريخ الكونية العامة من جهة أخرى تحقيقاً للتقدّم المنشود. وهذا التقدّم هو ثمرة الابداع الذي يوحّد بين التراث والحضارة، ويتجاوزهما في الوقت نفسه، من هنا نقول: نحيي التراث ولا نحيا به، ونأخذ من الحضارة الحديثة ولا نؤخذ بها، ونرفض الحلول السهلة ، كما نرفض التقليد من أي طرف أتى.

علينا إذن أن نعمل بعزيمة صادقة وتصميم على مستوى الوعي الفكري وفي إطار التطوّرات التي حصلت في ظل التقدّم العلمي حيث تحطم مفهوم الزمن التاريخي والزمن المعاش معاً، وتغيّرت دلالة الزمن ونظرتنا الى وتيرة الحركة الكونية وقياسها، وتعدّت السرعة مفهومها وإذا بالعلم يحقق سرعة الصوت ويفكر بسرعة الضوء. وتعدّت المسافة كذلك دلالتها القديمة. وباختصار نشأت طبيعة جديدة في اتساعها ولا محدوديتها. وهذا ما انعكس على مفهومنا عن أنفسنا ونظرتنا الى دورنا ومكاننا كجماعة في ساحة الوجود الإنساني.



* رئيس منتدى القلم الذهبي