بيروت - لبنان

اخر الأخبار

18 كانون الثاني 2018 12:04ص الخط العربي في تنويعاته المعاصرة (3/4)

مدرسة الخط في العراق... التأصيل والتطوُّر

حجم الخط
«بين النية والتوجه ينكشف القصد» فإذا كانت الحركة فضيحة النوايا، فان المقصد هو النقطة التي يسعى إليها القاصدون، لذلك نرى في مسألة الإبداع الخطي بالذات، وضوح المقصد منذ اللحظة التي يتكل فيها الخطاط، ويبدأ مسعاه الابداعي لإنجاز احلى ما يُمكن إنجازه خطاً.
اعتقد جازماً، ومن خلال مراقباتي الزمنية لعدد من الخطاطين العراقيين بالذات بان المسعى الابداعي بقي الهاجس والسر الذي يضمره كل واحد منهم في بواطنه. لذلك فان مدرسة الخط العراقي تعد واحدة من المدارس الأساسية التي يتألق فيها الخطاط أناقة. ويزداد رسوخاً كلما تقادمت به الحرفة، وثقل على عاتقه الشغل.
ولقد ورث العراقيون عن الخطاطين الأتراك (في مقدمتهم حامد الآمدي) اجادات عديدة، منها اجادة خط الثلث. وقمة توازن الخط النسخي الذي استعملوه في كتابة المصاحف. وكذلك خط الطغرة التي كانت بمثابة الختم.
وفي البوابة يقف الخطاط العراقي الأشهر المرحوم «هاشم محمّد البغدادي القيسي» فهو منارة شامخة من منارات الخط العربي منذ بدايات القرن العشرين حتى سبعينياته، فقد راهن عليه الذين أسسوا التعليم العراقي، وفي مقدمتهم اثنان، الملك فيصل الأوّل، والمرحوم ساطع الحصري. وكان لتجاوب هاشم مع رغبة تعليم الأجيال الطالعة اصول الخط العربي نتائج بالغة الأهمية. إذ شكلت (كراسة) الخط العربي التي كانت تُدَّرس في المدارس المتوسطة أساساً من أسس الإبداع.
بقي هاشم محمّد البغدادي القيسي حريصاً على ابداعه الخطي حتى قيام قسم الخط العربي في معهد الفنون الجميلة. وكان قد عين رئيساً له. لكنه بعد ثورة 14 تموز عام 1958 كلف بكتابة المصحف العراقي الشهير، فعاش التجربة المعمقة ما بين المانيا والعراق.
في العام 1954 وفي شارع الرشيد ببغداد، افتتح الخطاط الإيراني الكبير (مشكين قلم) محترفه الذي جذب إليه العديد من خطاطي النجف والكاظمية، فشاع خط التعليق والنص تعليق، وقد استفاد الخطاطون العراقيون من تجربتي هاشم ومشكين قلم، فطوروا خطوطهم التي استخدمت عملياً في تزيين المساجد والجوامع، كما ادخلت على العملة الورقية العراقية.
في تلك المرحلة، أي بعد ثورة تموز 1958 إنتشرت الصحافة وتوسعت. وكانت عناوين الصحف تخط يومياً بواسطة الخطاطين على مادة (الليناليوم) البلاستيكية التي تحفر بالسكين. لهذا صار الخطاط وجوداً في صلب الصحافة، فطور بذلك من خطه، بحيث أصبحت خطوط الرقعة والثلث حاضرة على العناوين أو (المانشيتات) اليومية للصحف.
وكان الرعيل الجديد من الخطاطين الشباب قد بدأ يتحوّل إلى جزء من الحضور الثقافي للصحافيين الشباب. وخير مثال على ذلك هو الشاعر والخطاط (محمّد سعيد الصكار) فهذا البصراوي كان جزءاً من رعيل شعري قوامه سعدي يوسف ورشدي العامل وماجد العامل. لكنه وفي بغداد. وتحديداً على حائط بمنطقة (الحيدر خانة) قرأ كلمة مخطوطة بشكل مبدع للغاية، هي كلمة (رانيا)، وهي بالمناسبة قرية في جبال السليمانية. ولكثرة ما افتتن بهذه الكلمة بدأ يخطها طيلة النهار.
وقد دفعته لأن يكتشف ذاته كواحد من مجودي الخط. فبدأ يمارس عملية التلاعب بالابعاد البلاستيكية للحرف. حتى توصل إلى إنجاز حرفه المطبعي الذي أهله للإنتقال إلى باريس وقضاء بقية عمره هناك.
بالمقابل بدأت الميول الابداعية عند النجفي (حسن المسعودي)، بالظهور وهو بالمناسبة من مواليد سنة 1944. لكنه بدأ يعايش الخطاطين ببغداد، فذهب دارساً إلى قسم الخط في المعهد، ثم سافر للدراسة في (البوزآرت) بباريس حيث لم يزل يعيش وكان ذلك منذ العام 1969.
لقد أضاف هذا الخطاط السرعة والضربة الخاطفة وذلك عندما دعاهُ المستعرب الفرنسي (كي جاكه) عام 1972 للمساهمة في حفلات شعرية حية امام الجمهور يؤدي خلالها عملية الخط بمصاحبة موسيقي (فوزي العابدي). ولقد عودته تلك الحفلات على تطوير ضربته اللونية وتوسيع جسد الحرف حتى حدود السيطرة على كامل المساحة، فكل حرف جديد يكتبه المسعودي هو شكل جديد لا بدّ وان يخلق تكوينات جديدة.
لكن برز فيما بعد عدد من الخطاطين المبدعين في العراق. فكان منهم «عباس البغدادي» الذي برع في خط الثلث الجلي. مع شروحات التنقيط التي هي تسقيطات ميزان الحروف. اما خط النسخ فقد برع فيه عدد لا يحصى من الخطاطين العراقيين منهم زياد ربيع المهندس. لكن الخطاط صلاح الدين شيرزادة سيبرع كثيراً في خط الثلث الجلي المتداخل. وكذلك برع في الخط ذاته (وسام كوشكت).
وإذا كان لا بدّ من ذكر رعيل الخطاطين الجدد فاننا يجب ان لا نستثني حاكم غنام وحبيب السعداوي وحميد السعدي الذي تتلمذ على يد الأستاذ الكبير هاشم محمّد البغدادي القيسي. كما تعلم أيضاً على يد الخطاط الشهير مهدي الجبوري، وهناك الخطاط العصامي صباح التميمي، وهو صديق طفولتي، بدأ يتعلم الخط باكراً وبإصرار غريب حتى غدا واحداً من كبار الخطاطين. إلى جانب صديق آخر هو «حميد ياسين» الذي أصبح الخط مصدر رزقه ومعيشته. ومن بين الخطاطين الأكراد يبرز (سامان كاكا) الذي ادخل اللون على المسطح الخطي. اما الذي يرسم عبر الخط فهو «عبد الكريم ثابت، حيث يرى بان الكلمات هي تجريدات مرسومة، وانه يُمكن عبر ربطها مع بعضها إنتاج الاشكال. ومنهم (عدنان الشريفي) الخطاط الذي يجمل نصه الخطي بالاطر النقشية. وعلى العكس من ذلك يشتغل الخطاط عدنان القزاز بنص الحرف كفردة تزيينية، ويتمطى عدي إبراهيم بخطوطه ليصل إلى أنظمة مستحدثة وجديدة.
ومن الموصل يطل محفوظ ذو النون يونس ليجيد بقلمه خطوطاً متداخلة ذات ثراء جمالي. ولكن الخطاط محمّد النوري سيطل كواحد من الاصوليين المؤتمنين على المدرسة البغدادية. وكذلك الأمر بالنسبة لخطاط تأصيلي آخر هو محمّد عبد الحميد العبيدي.
ومن مدينة سامراء يطل تلميذ الأستاذ عبد العزيز السامرائي، أي الخطاط محمّد فارس العمري، وهو الذي شارك في العديد من مهرجانات الخط العربي.
أما الذي مزج بين التراث والمعاصرة فهو الخطاط المجدد (اوس الجد) الذي اشتغل على الجسد النحاسي المنحوت للحرف العربي.
ويشتغل (رعد الدليمي) على الخط الكوفي القيرواني، ليبدع في التشكيل النهائي للمسطح الخطي. لكن على العكس سيذهب «رياض معتوق» صوب التجريد الحروفي. كذلك الخطاط زيد أمين، فيما النحات سرمد الموسوي سوف يسعى لتراكيب تجريدية جميلة. فيما الفنانة (سمية الحمداني) ستقدم لوحة حروفية جميلة. وكذلك الفنان محمّد الناصري المتأثر باستاذه الفنان الراحل (شاكر حسن ال سعيد) الفنان الحروفي الاستلهامي، ويشتغل على الخزف حروفياً «محمد حسن» فيما يفكك الخطاط «مصعب الدوري» الكلمة ذات الحروف الكوفية. لكن النحت بالخط عل» يد (وسام محمد) يأخذ بعداً جمالياً.
وهناك من رعيل الشباب مريم التميمي وعدنان الشريفي وزيد الأعظمي وعدد لا يحصى من الشباب، وبذلك تستمر وتتطور مدرسة الخط العراقي، التي يعود الفضل في تأسيسها إلى ابن البواب وابن مقلة وحامدالآمدي وهاشم محمّد وحافظ وكريم وصباح التميمي الصديق الذي رحل..
ملاحظة/ يتبع المدرسة السورية في المرة القادمة.
عمران القيسي
فنان وناقد