بيروت - لبنان

اخر الأخبار

19 تشرين الأول 2018 01:27ص الدكتور الناقد لطيف زيتوني لـــــ «اللــــواء»: حين تطرح أزمة ثقافة الشباب تطرح أزمة المستقبل

- الرواية اصدق من التاريخ

حجم الخط
يفكك دكتور «لطيف زيتوني» في كتابه «الرواية والقيم»  الصادر عن «دار الفارابي»  العلاقة الاخلاقية في الرواية مع الادب ويوضحها،  بل ويكشف عن الحقول الانسانية المتسعة التي تكشف عن قراءات اخلاقية من منظور القراءة الواعية للحقيقة الادبية في الفن الروائي ومعه اجرينا هذا الحوار..
{ تثير في كتابك «الرواية والقيم» أزمة ثقافة الشباب، وهي أزمة أزلية في ظني، ما هي أبرز النقاط في علاجها؟
- المجتمعات المنغلقة لا تعرف الأزمات، لأن التقاليد تتحكم بكل شؤونها، وأقصى ما يمكن أن يحدث هو صراع أجيال بين من يملك الخبرة ومن لا يملكها، وفي هذا الصراع تنتصر دائما الخبرة التي تراكمها السنين. أما المجتمعات المنفتحة فتشهد تحولات، إذ تصطدم فيها خبرة الآباء بالمعلومات الجديدة التي يوفّرها العلم والانفتاح، ويصبح جيل الأبناء أكثر معرفة وأوسع أفقا من جيل الآباء.  ما أطرحه في كتابي حول ازمة ثقافة الشباب هو أمر مختلف وخطير. فالبلاد العربية اليوم تشهد حالة معكوسة وغير مسبوقة، حيث جيل الآباء أكثر معرفة، وأوسع أفقا، وأشد انفتاحا من جيل الأبناء. لذلك حين نطرح أزمة ثقافة الشباب فإننا نطرح أزمة المستقبل، أزمة الثقافة العربية بعد جيل من الآن.   
{ ما الرابط المشترك بين المفاهيم الجمالية الروائية والمفاهيم الاخلاقية التي تتكسر ببطء اليوم؟
- هناك مفهومان للأخلاق: الأول يعرّف الأخلاق بأنها منظومة القيم والمبادئ التي تسمح بالتمييز بين الخير والشر، والعدل والظلم، والمقبول والمرفوض، والتي ينبغي على الفرد أن يتبناها ويستهدي بها. وقد طوّرت الشعوب عبر الزمن منظومات مختلفة من القيم والمبادئ وطبّقتها في حياتها، ثم تبدّلت هذه القيم مع التطوّر. لهذا نطلق على هذه المنظومات اسم الأخلاقيات لتعددها واختلافها. أما المفهوم الثاني فيعرّف الاخلاق بأنها التفكير الذي يمارسه الفرد قبل تطبيق قيمه على الواقع، أي مساءلة القيم والمبادئ الاخلاقية عن مدى ملاءمتها للزمن الحاضر وللواقع. وبديهي القول إنّ المفهوم الثاني هو الذي يعتمده أهل الثقافة وهو الذي يتحدث عنها الكتاب. غير أن الرواية تتسع لكلا المفهومين، وإن كان الأول غالبا في روايات الأولاد والروايات الشعبية، والثاني سائدا في الروايات الأدبية الراقية. 
أما التكسّر الذي نشهده اليوم في القيم فهو ناتج عن اصطدام المنظومات الأخلاقية بالواقع نتيجة الازدواجية بين القول والفعل في حياة الناس، أو بين منظومة أخلاقية قديمة نأبى تطويرها وواقعٍ متحرك لا يتوقف عن التطور. الرواية تعكس عموما هذا الاصطدام، في المجتمع والسياسة وسلوك القادة والأفراد، ولكنها تكتفي بتصويره وتفحّصِه وتحليل تأثيره.  
{ النصوص الاخلاقية في الروايات الحديثة اصبحت تثير قضية مركزية في الدراسات الادبية، ما رأيك؟
- الرواية جزء مقتطَع من حياة شخصياتها. وهذا التشابه بين عالمها وبين حياة البشر يسمح لها بأن تختزن هموم الناس وأزماتهم وسلوكياتهم وما به يؤمنون. ولهذا شكّلت مرجعا للكثير من المنظّرين في علم النفس وعلم الاجتماع وعلم السياسة، وفي فلسفة الأخلاق التي تحتل صدارة اهتمام الفلسفة الأميركية اليوم. فالرواية أصدق من التاريخ لأنها لا تقدم الحوادث والشخصيات من الخارج، وأكثر تعبيرا من الفلسفة لأنها لا تعتمد على الاقناع المنطقي بل على عيش تجربة الشخصيات. وهي اليوم تتصدر اهتمام الأدباء والنقاد والقرّاء على السواء نظرا الى امكانياتها التي لا تتوفر في أي نوع أدبي آخر. ليس في الرواية نصوص أخلاقية، بل هي كلها نصّ أخلاقي ما دامت تعرض تجربةً واقعية نتفاعل معها كأننا نحن من يعيش هذه التجربة.   
{ من يحدّد محتوى القيم الأخلاقية في صميم الأدب الروائي، ونحن نشهد ثورة عليها؟
- الواقع هو مختبر القيم، هو الذي يميّز بين القيم الصالحة، وتلك التي تجاوزها الزمن، أو التي نشأت نتيجة ظرف تاريخي ما عاد قائما. الرواية هي الواقع، ولو كان متخيلا. إنها المكان الذي تختبر فيه الشخصيات قيمَها ومبادئها الاخلاقية وتحكم على صلاحيتها. الثورة على القيم اليوم تتطلع الى تنقية الأخلاق مما لا يتماشى مع الزمن الحاضر. لا أحد يثور على القيم الإنسانية، تلك التي تتوخى خير الانسان من دون تمييز. وبعد كل ما جرى ويجري في العالم صرنا نخشى على مستقبل الانسان على هذه الأرض. فكم سبّبت القيم السلبية من حروب ودمار ومجازر وتشريد.   
{ دكتور لطيف زيتوني والرواية التي يعيد قراءتها اكثر من مرة، ما هي؟ 
- كقارئ لا أعود الى الرواية التي انتهيتُ منها، ولكنني كباحث اضطر أحيانا الى اعادة قراءة بعض الروايات، جزئيا أو كليا، بحثا عن مثل، أو دعما لفكرة، أو توضيحا لطرح نظري جديد. أما إذا كان السؤال عن الرواية التي حرّكت أفكاري أو هزّت مشاعري وجعلتني أحنّ الى قراءتها من وقت الى آخر، فإن طبيعة تخصصي، وهو نقد الرواية، يضطرني الى قراءة الكثير من الروايات الجيّدة بحيث يصعب أن تُمسك واحدة منها بذاكرتي مدة طويلة.