بيروت - لبنان

اخر الأخبار

3 آذار 2020 12:02ص الدكتور رياض عثمان لـ «اللـــواء»: «خمسة صبيان وصبي»

رواية المرأة المتلبّسة بالذكورة وعصرنا عصر الرواية بامتياز

د. رياض عثمان د. رياض عثمان
حجم الخط
الدكتور رياض عثمان هو أستاذ جامعي متخصص في العلوم اللغوية وعلوم المصطلح والدراسات السيمائية والألسنية التطبيقة، ومُحاضر في كلية الآداب - الجامعة اللبنانية وفي المعهد العالي للدكتوراه، عمل في الصحافة. وُلد في بلدة بيت الفقس الضنية شمال لبنان، شرق طرابلس، وأسّس مع رفاقه المكمل الثقافي في بيئة شعرية وثقافية... روايته الجديد لعبت دوراً لغويا وتربويا في التوجيه من العنوان «خمسة صبيان وصبي» حتى الصفحة الأخيرة. ومعه أجرينا هذا الحوار:

{ ما رأيك بالرواية اليوم؟

- عصرنا عصر الرواية بامتياز، حيث يعلو صوتها صوت الشعر حيث التفلّت من الكثير من القيود، الشعرية والعروضية واللغوية والحضارية و... إلا التفلّت من الشكوى والحبكة والقوة التأثيرية وعرض التجربة فتداخلت أنماطها التي طالت شتى ميادين الحياة، إذْ جسّدت المناحي الاجتماعية والإنسانية بكل صراعاتها وتناقضاتها ونجاحاتها وتوجيهاتها. وترى الإقبال عليها لافتا، وكثرت مجالس تدارسها وانتقاء أنْفَسِها وأروجها، وأشهرها. فالرواية تمثل بحق سوسيولجية المجتمع وبثّ شكواه، ونقاط ضعفه بالدرجة الأولى على حساب إظهار نقاط القوة. لذا أجدني أنصح بالميل إلى الكتابة ولا سيما الرواية، وكلّ من يجد في نفسه رغبة في ذلك فلا يحرمنّ نفسه، ولا يدري إن كان مشروع كاتب أم لا، المهم أن يغامر، فالكتابة فعل مغامرة لصدّ المؤامرة على لغتنا وحضارتنا ، واحتلالنا أو استعمارنا حضارياً ولغوياً وفكرياً وقيميا.

{ التزمتَ بالكتابة التربوية، إنْ صح القول، في رواية تحتاج لبعض التحرّر من بوتقة اللغة، لماذا؟

- اللغة إلتزام والأدب إلتزام، والكاتب الذي يعيش هواجس مجتمعه وأبنائه هو كاتب ملتزم يتطلّع إلى هموم محيطه وناسه، يلتزم تسليط الضوء على ما ينفع، والإشارة إلى اقتراح حلول أو إيجاد نصائح، فالكتابة صلة الوصل بينه وبين من يخدم، تجمعهم رابطة صادقة، فإذا كانت متينة يكون نجاحٌ وإن كانت غير ذلك فتبقى في شرف المحاولة، وكذلك اللغة رابطة إما أن تكون خيطاً رفيعاً غير غالٍ، وإما أن تكون باهظة تسبك انتظام العلاقة، فما بالك إذا كانت البضاعة محليّة، بنكهة أصيلة، تجمع التراث إلى المعاصرة.

أما الالتزام الذي أشرتِ إليه فهو نابع من شخصيتي العلمية واهتماماتي الأكاديمية في مجال التربية والتعليم من جهة، ومن جهة ثانية مسؤوليتي التربوية تجاه أسرتي وأبنائي. فالتزامي سارٍ في اتجاهين: تربوي ولغوي. أما الأول كما أشرت أن الكاتب لا يستطيع أن يفصل بين شخصيته وكتابته، وأما الثاني ألم دفين حسرة وغيرة على اللغة العربية التي أعيشها على الدوام لغة وعناية ومجال عمل، أمام أجيال تتسمّر عيونهم من على مقاعد االدراسة إلى ما أكتب أو أشرح، فيرسلون إشارات لهفة على لغتنا العربية، وتراجع روافدها في أذهانهم واهتماماتهم ، حيث تولّدت عندي ردّة فعلٍ عكسية بإشارات من الدماغ على تحفيزها في كتاباتي وطرحها بين يدي القارئ علّه يتذكّر منها، أو يبقى على تماسٍّ بها، أو يعود إليه بعضُ أملٍ بأنّ العربية بخير، وعليه انقسم القرّاء بإزاء ذلك إلى فئات ومذاهب، كلٌّ بحسب اختصاصه وثقافته ورغبته، فهناك اللاقارئ الذي يمثل أكبر شريحة في واقعنا، وهناك قارئ العناوين، وهناك القارئ المأخوذ بالنص الساحر، شديد التأثير، كبيرُ الدويّ، سريع الانتشار، وهذه مواهب قرائية لا يعرفها الكاتب، إلا أنه قد يجد نفسه في بال أولائك وفي صفحات الـ «فايسبوك» وشاشات الإعلام، العِبرة في اللغة.

{ ألا تظن ان هذا الالتزام اللغوي بات ينفر منه القارئ ان اشتدّ في التفاصيل؟

- هناك فرق بين الالتزام باللغة المتقعّرة واللغة الميسّرة، وثمة فرق بين الكتابة الأكاديمية والكتابة الروائية والابداعية، وأنا أميل إلى الالتزام اللانافر. فالكاتب اللبق من يستطيع أن يوجّه خطابه مباشرة إلى المتلقّي المقصود مراعياً ظروفه وحضارته واهتماماته. والقارئ المعاصر في زمن الانترنت والـ «فايسبوك» واللقمة السريعة يحتاج إلى إشارات لغوية سريعة، مشفوعة برسومات وإشارات وغير ذلك، فاللغة السريعة السطحية أحياناً قد تحمل فكرة الكاتب، وقد توصل المُرسلة إلى إيجاد لغة عربية غير التي نعيشها في زمننا، وغير التي في الزمان السابق والأسبق. ولأن اللغة في العمل الأكاديمي غيرها في العمل الروائي، تحمل مصطلحات معاصرة تهمّ القارئ المعاصر، وتحيي مصطلحات غابرة قديمة. واللغة الروائية التي يهدف الكاتب إلى إحيائها، لغة قد عاشها أشخاص بمميّزاتهم الشخصية، يحبّ أن يوثقها وينقلها إلى أبنائه وجيلهم والجيل الآخر لتنقل بعض القيم والذكريات والألفاظ التي بادَتْ بفعل فورةِ التطوّر الحضاري، وصَرْعة العولمة.

من هنا على كُتّاب هذه الأيام (سواء أَوَصلوا إلى مرتبة راوٍ أم لم يصلوا) أن يوَلّفوا بين القديم والحديث، والعاميّ والفصيح وتطعيم لغتهم بخليط متجانس بين رغبات قرّائهم والتمسّك بالقارئ القديم من أبناء جيلهم وما بعده، وجذب القارئ الجديد من أبناء ما بعد الحداثة، وما بعد التكنوثقافية والماوراتصالية، ثم اللجوء إلى بعض العاميّ الأقرب إلى ذهنه ومشاعره وطواعية خطابه، ولا مانع من القذف به إلى مرامي القديم ليرَ النافر، فلمن يكتب الروائي؟

بالطبع إن الإمعان في الخوض في التفاصيل بلُغةٍ فصيحةٍ شديدةٍ تجعل القارئ ينفر وحتى الكاتب نفسه ينفر إذا تعمّد إلتزام الفصحى المتقعّرة الشديدة، وقد يحجّم نفسه في زوايا النفور، ويحدّد مكانه في زوايا إهمال قرّائه، أو على الأقلّ تقليدهم. فالأمر جدّ حسّاس، ولكني أدعو إلى العفوية الكتابية مع ضرورة مراعاة القاعدة النحوية والكتابية لأنها الطريق الحصين الذي يحمي الكاتب من الانزلاق بدل الوصول غير الآمن والتواصل العابر للرسميات والبروتوكولات، ويؤدّي التعبير الفوضوي إلى التيه من دون دعائم أو حدود، فيزداد الخطر وتكثر المزالق. ولا أقول هذا عبثا. فالممعن في اعتماد لهجة كتابية عاميّة واحدة قد يفهمها أبناء مجتمع ضيق أو بلد واحد فيكون خطابه محصورا فيهم، ويخسر شيئاً من انتشاره الإنساني. وكذلك من يخُضْ في عمق المعجم لانتقاء مفردات نصّه الأدبي يذهبْ ببعض وهجِ كتابته ويبعد عن عفوية تواصله واتصاله بمن يقرأ له، فالكتابة مسؤولية واعية ولا واعية، وهذا معنى الالتزام اللا نافر.

dohamol@hotmail.com