بيروت - لبنان

اخر الأخبار

14 تشرين الثاني 2019 12:00ص الروائية الليبية كوثر الجهمي لــ«اللــــواء»: الــ«عايدون» مستمرون ما دام هناك تُعساء وبؤساء

هناك نازحون وجائعون ومقهورون في هذه البقعة من العالم

الروائية كوثر الجهمي الروائية كوثر الجهمي
حجم الخط
تفتح الروائية الليبية «كوثر الجهمي» وجهات نظر ذاتية على التكوين الفعلي للبنية الاجتماعية التحتية وتطوّراتها بموضوعية نحو التغيّرات البطيئة في المجتمع الليبي المعاصر من خلال الإنعكاس الحقيقي لغزالة، تلك المرأة التي تشكّل حالة إستثنائية لم تنهار تحت الهيمنة الذكورية الفعلية مستجيبة بذلك لحالة اجتماعية ما زالت ترافق تطوّرات المجتمع الليبي بعد عدّة ثورات استطاعت التعبير عنها بالتوازي مع التطوّرات التي أدَّت الى إختفاء غزالة وحسناء والغموض السياسي المرافق لذلك من خلال السرد الروائي الذي يكشف عن هيمنات مختلفة تؤدّي إلى الإفتقار للحرية «كيف يتسنّى للناس أن يتحدثوا بثقة عن أمور لا يعلمون إلا نصفها؟!».. وبسرد تشويقي يدفع القارئ بالتغلغل أكثر فأكثر في عمق روايتها، ومعها أجرينا هذا الحوار:

{ «عايدون» وحيرة القارئ مع هذه المفردة، لماذا اخترتها؟ وهل نحن كلنا «عايدون»؟

- «عايدون» هي لفظة ليبية حُرّفت من كلمة «عائدون»، حُوّرتْ بمعنى أنها باتت تتعدّى معناها الحقيقي للمعنى المهين، وُصِف بها كل من جاء من بلاد المهجر بثقافة انفتاح لم يعتدها المجتمع الليبي الذي يتسم بالانغلاق والمبالغة في تفسير كلمة «المحافظة»؛ حتى أنها تُنسب للمفرد والجمع على حد سواء! لماذا اخترتها؟! لم يكن بالإمكان مقاومة إغراء الفكرة، لكي أكون صريحة، فهي قضية حسّاسة في المجتمع الليبي، ولم يسبقني إليها – كما أحسب - قلمٌ ليبي، قررت تعرية هذا الجانب، إيمانًا مني بأن الاعتراف بالمشكلة هو أولى الخطوات لحلّها. إذاً يمكننا اعتبار كل مؤمن بالاختلاف بيننا: «عايدون»، نعم! وعليه تحمّل ضريبة هذا الاختلاف.

{ الوضع الليبي الحديث بعد الثورة دون نسيان الماضي هل اعتبر هذا وفاء للتاريخ الليبي؟

- أؤمن بان التاريخ عملية تراكمية، ولكنها كمؤشرات الأسهم؛ وكُتب على أرض ليبيا أن تعاني الانحدار، أو الاستقرار في أفضل أحوالها منذ ربع قرن أو يزيد، بحيث لا تظهر فترات الارتفاع للعيان، ربما للأوطان أيضاً حظوظاً! ولكني مؤمنة أيضاً، بأن فترات الارتفاع وإن تناهت في صغرها، إلا أنها كانت متفرّدة بهيّة، ونحن وإن كنا نشهد ما اعتبرناه أسوأ تاريخ تمرّ به البلاد، فهذا لأن لحظة الوفاء لطموحات وأحلام أجدادنا لم تولد بعد، ولكنها ستفعل يوماً ما، هكذا هو التاريخ، أمجادٌ بين صعود ونزول.

{ سرد روائي ديناميكي، هل خرجت كوثر الجهمي برواية معاصرة؟

- أظن ذلك، رغم أني لم أتعمّد الخروج بنص مصنف، ولم أفكر في الكيفية التي سيؤطرها بها القارئ العربي؛ ولكني سعيت لنقل الواقع، بأبلغ طريقة استطعتها، وينتابني أحيانًا الشعور بالذنب إزاء اختصار بعض التفاصيل، وأشتهي إعادة كتابتها بدقّة أكثر تناهياً وبلاغة، وبأسلوب كلاسيكي، وأعتقد أن شهوة «المزيد» هذه شيطاناً لن يفارقني.

{ فن الرواية الليبية والموضوع الأهم للمرأة بشكل عام، هل سنبقي على النسوية الروائية؟

- بدايةً لديّ تحفّظ حول استخدام لفظة «النسوية الروائية»، فالنسوية في حد ذاتها ما زالت تعاني سوء الفهم ونسبية المعايير وفق تنوّع ثقافات المجتمعات الإنسانية، فما بالك بإضافتها للرواية بصفتها فنّاً شاملا؛ ولكن إن كان المقصود منها هنا حضور قضايا المرأة في الرواية، فأرجو أن نبقي عليها، شرط أن ترافق عذابات البشرية جمعاء، نحن مجتمعات مقهورة، ترفٌ فيها طرح قضايا المرأة منعزلة عن قضايا الوطن والحرية والعدالة الاجتماعية.

{ متطلّبات الحرية للمرأة محجبة أم غير محجبة، هل يختلف ذلك بالنسبة لك؟

- المسألة ليست من هي الحرة من بيننا؛ المحجبة أم السافرة؟ المسألة في من اختارت حجابها أو سفورها، ومن فُرض عليها. بالنسبة لي، فقد تمتعت بحرية الإرادة، واخترت الحجاب، أحترم من اختارت السفور، وأحترم من اختارت النقاب! طالما هو اختيارها فنحن لا نختلف، البقية تفاصيل متعلقة بعقيدتنا، وأسلوبنا في التعبير عنها أو تحليلها. وأثق تمام الثقة ألّا قناعة راسخة تأتي مع الغصب والتعنّت.

{ «عايدون» ونهاية تعيدنا الى نقطة البداية والسؤال الأهم من هم الـ «عايدون» بعد الثورات العربية؟

- الثورات العربية كالرواية، نقطة انتشاء في حياة الشعوب؛ ولكنها كأي فعل يخضع للفكر الجمعي - فوضوية، لهذا فهي ثورات مادية، تقلب الكراسي وتكسر الصولجانات في فترة وجيزة؛ ولكنها تعجز عن قلب موازين فكر الإنسان العربي في نفس هذه الفترة، وبناءً على هذا، فسيكون دوماً هناك «عايدون» من المهجر وإليه، ما دام هناك نازحون، وجائعون، ومقهورون في هذه البقعة من العالم، وسيُتهم هؤلاء بالخذلان والهروب، وستلفظهم أوطانهم مرارا وتكرارا، ريثما ينضج الفكر العربي الجمعي، ويتخلص من تقمّص شخصيات الطغاة الذين ثار عليهم.

{ كوثر الجهمي والكتابة الروائية وحقوق المرأة، أين نقطة وقوفك بينهما؟

- انحاز للرواية بصفتها فنّا يهذّب وجدان القارئ ويسمو بروحه ليشارك من على وجه البسيطة عذاباتهم، وحقوق المرأة تفرض نفسها في قضايانا وتتشابك معها، لا أتعمّد التطرّق إليها، وما طُرح في «عايدون» لم أتعمّده، بل فرض نفسه في حبكة القصة ولم يكن بالإمكان تجاهله. لذا، سأكتب دوماً وأفتح الباب لمن يشاء الدخول، سواء كان الداخل قضية حقوق المرأة، أو الأقليات الدينية والعرقية، حقوق الطفل، أو حتى حقوق أسرى الحرب.

{ كلمة للوطن العربي من كوثر الجهمي.

- ربما ولّى زمن الشعارات القومية؛ ولكن على مستوى الشعوب (لا الحكومات) أملك مشاعر دافئة مجهولة المصدر تجاه كل ما هو عربي، ليس للأمر علاقة بالشوفينية، ربما إنتماء طبيعي يغذّيه تشابه الثقافات والتاريخ، واختلاط الأنساب وتشابك المصائر. وأجد نفسي أرجو لكل بلد عربي يمرُّ بمحنة ما السلام، الاستقرار، ومن ثم الازدهار.. هذا دعائي للبنان الجميل، الذي وددتُ زيارته يوماً ما.. محبتي.