بيروت - لبنان

اخر الأخبار

23 آذار 2024 12:00ص الرواية الأولى لعبد الغني طليس «زين.. العابرين» يحمل نصف قرن مواجهة مع نجوم الفن

حجم الخط
عام ١٩٧٤ فزت عن جائزة الشعر الغنائي في برنامج «ستديو الفن»، وهذا هو عام ٢٠٢٤... خمسون عاما:
«هي قصة حياتي»... هل يستطيع كاتب أن يرفع أوراقه بين يديه ويقول هذه قصة حياتي يا عين، كما هي، بدون تغيير أو تبديل أو إخفاء أو تلميع ؟ هل يصل البني آدم إلى مرحلة من الشفافية والصدق فيستغني عن تجميل نفسه أو كسْب التعاطف أو تدوير الزوايا الحادة في مسيرته ليروي مجريات حياته طفلا وفتى وشابا ودونجوان وتحت نصيبه وجهلان ومتزوجا وأب أولاد، وعلى صعيد المهْنة كائنة ما كانت مهنته، بلا تلاعب في المواقف والأحداث والتفاصيل؟
وهل يمكن أن يزيح بقرار عن سابق تصوّر وتصميم كل الستائر المغلقة التي فرضها على عيون الآخرين الناظرين إليه، ويواجه الشمس والهواء والمطر بروح انفتاح واعتراف ونقاش؟
أستطيع القول أنا فعلت ( من دون «نسبيا») لكني أضعها احتياطا. فأنا محافظ في طبيعة حياتي الشخصية، أعتبر نفسي سويّا لا يبالغ في تقدير النجاح إذا حصل، والفشل إذا اقتحم، وأغلب طيراني «بأجنحة متكسرة» في منطقة الأمان، أما في عملي فلا يمكن من بصفاتي أن يتحمّل متاهاته: عالم الصحافة الفنية، وموضوعها حياة الفنانين الرجال بما هي تناقضاتٌ (تقحمك فيها منافع وأهواء) وكذلك حياة الفنانات بما هي فانتازيا (تدخلك فيها بمجرد نظرة فملامسة فالندم لمن عصى!)... وأعمالهم ونشاطهم وأقوالهم ومنافساتهم ومؤامراتهم ونرجسيتهم والأنا العالية عندهم. في الحياة والعمل كنت وما زلت أكره السويعاتية لكني كنت أحيانا سويعاتيا. مناخ المهنة يجذبك بقدميك الاثنتين إلى السويعاتية، وفيه تحريضٌ علني على أن تكون صاحب مصلحة، وأنت لست. وتمارس عنجهية، وأنت لست. وتحسّ بالشماتة، وأنت لست. فضلا عن أن بعض المواقف الكبيرة التي قمت بها مع عدد من النجوم ينبغي أن تعرف للجميع لتحْتذى، لكنك تركتها وتركوها تذهب مع الريح. وبعضهم لم يقل لك شكرا. فعالم الفنانين خاضعٌ لحسابات بوهيمية والواحد زائدا واحدا يمكن أن يبلغا عشرين ويمكن أن يصبحا تحت الصفر. ونجوم الفن كبشر، أبوابٌ مغلقة ومفتوح بعضها على بعضه، ومتداخلة ومتواربة ومتصادمة، ووجوه الجميع فيها تقطر بحب الآخر عبر لسان المتكلم، أما الحقيقة «فالشمطْلي يطلي» شتْما وتقريعا ونميمة.
زمنٌ طويلٌ بين نجوم الفنون. فجأة استفقت، وقلت أزوّد الناس معرفة وحيثيات عن ذلك العالم. فكيف كانت الحياة الفنية والفنانون وشركات الإنتاج وعلاقات النجوم ببعضهم  ومخبآتهم، وكيف كانت الحياة الصحافية الفنية وأصابعها السرية في ما ينشر، وكيف كان الجمهور يتلقّى ما يركبه الصحافيون من مطبات هوائية، وكيف كان احتراف الكتابة وكيف غابت الكتابة وشاعت الأمية العملية... وما لا ينتهي من الحقائق والوثائق!
خمسون عاما في الصحافة الفنية والثقافية، وقوْلة إن أهل الفن في الأغلب الأعم خوْتان، تعني ما تعني. وما دام زين لم يرحل عنهم لا في أربعين يوما ولا في أربعين عاما، فالمقدر أنه أصبح منهم... أو كاد!
*****
نص غلاف الرواية الأخير، والمتوقع أن يثير العواصف:
وهناك الصفحة الأخيرة /الغلاف من الكتاب.. وهذه هي المادة التي ستنزل عليها العواصف..
ما قبل هيفا، وما بعد هيفا!
الرموز الغنائية المعدودة التي لطالما حفظناها ووضعناها على الرأس والعين في إنجازاتها الباقية والمؤثرة، من الجيلين، خارج هذا الكلام .
حين كانت المغنية صباح ترتدي على مسرح السبعينيات أجمل صيحات الموضة والتصاميم والشورت والميني جيب وتتلقّى ردود الفعل المنتقدة، كانت «دحة» أمام نجمة آخر التسعينيات هيفا وهبي (١٩٩٨) وما تبعها من أشكال وألوان ومعجبات بالعشرات وبصرْف ملايين الدولارات قلدْنها فنيا وفشلْن، وحاولن استنساخ ملامح وجهها وحركاتها وخفة ظلها ومقبوليتها عند الجمهور، وأسقط قي أيديهن. وحين كانت مادونا في الثمانينيات تكشف ما يعادل المستور في إطلالاتها كانت «يا محلى» ما ستر وما ظهر منها أمام مايا دياب مثلا أو غيرها بعد ربع قرن من ذلك. 
ببساطة، لقد بات واضحا أن الزمن الفني اختلف وزمن الجمهور اختلف وزمن الإعلام اختلف..
ومع أن ظاهرة العولمة، مطلع الألفين، في الشكل والزي والاستعراض الجريء ومحتوى الأغاني عبر رمزها الأوضح هيفا وهبي ووصيفاتها غير المتوّجات قد اكتسحت المكان العربي، إلّا أن بعض رموز الشباب الغنائي، رجالا ونساء في لبنان والبلاد العربية حافظوا على المستوى الفني العام، على قلّتهم، وظلوا حاضرين ومستمرين وناجحين (١٩٧٣ فما بعد) في تقديم جماليات غنائية وموسيقية، ودافعوا دفاعا شرسا عن مواقعهم فأخذوا من العولمة ما أفادهم من مكتسبات التغيير البصري، وطرحوا ما اعتبروه غير ذي فائدة، ولو أن الغالبية ترنحت وساقت مع السوق. وظهور هيفا وهبي مطلع القرن الجديد وتقدّمها وثباتها في النجومية أكثر من خمس وعشرين عاما بأدوات غنائية عادية لا نعطيها أفضلية أو أرجحية على غيرها، يؤكد أن هناك أسرارا فنية وكاريزماتية في علاقتها مع الجمهور. فالقاعدة الرئيسية التي بنت عليها هيفا وجودها هي اختيار أغانٍ تلاقي رواجا (ولو لم تكن بديعة نصا ولحنا) وكليبات جذابة (ولو لم تكن تحفا فنية!) ومشاركة في مسلسلات وأفلام سينمائية بأدوار تمثيلية متقنة سحبت البساط من تحت أسماء كثير من الممثلات المخضرمات والشابات.
كثر سينزعجون من العنوان «ما قبل هيفا، وما بعد هيفا»، لكن الواقع الفني يقول إن هيفا وهبي فصلت زمنيا بين نهاية قرن وبداية قرن وصنعت ظاهرتها الفنية (صدرت كتب وأبحاث علْم إجتماعية عدة بذلك) التي سعت، في طموح استثنائي إلى أن لا تختلف أجواء مسرحها عن أجواء مسرح شاكيرا العالمية مثلا. وحققت «شيئا» من هذه المعادلة الانتحارية. اخترقت الصفوف، وحولها وأمامها وبجانبها نجمات لم يتراجعن خطوة وبعضهن  تشرب روحية هيفا وقوْلبْنها في تجاربهن الشخصية فبت ترى هيفا في ما وراء من هي لا هيفا ولا طل الخبر. لكن الجميل والغريب معا أن هيفا وظاهرتها دامت فوق المتوقع وأوجدت نقاشا فنيا واجتماعيا محليا وعربيا يبحث في وجودها ونجوميتها، وسط صراع كان كبيرا وطاحنا بين النجمات والنجوم في شركة «روتانا» حول المرتبة الأولى، وفي البرامج التلفزيونية التي كانت تتقاتل على «الرايتنغ»!
جاءت هيفا (وظلت مختلفة مسافات عن غيرها ممن تشبهن بها) في مرحلة كانت الحياة الفنية في حاجة إليها: جمال باهر، حضور آسر، وأغانٍ اعتيادية بالكاد تأتي «قد الحال» كلاما ولحنا وأداء لكن كانت فيها نكهة من السرعة في القول والتعبير على.. دلع خاص غير دالع، بمعنى أنه دلعٌ يلفت العجب. وقد ترافق ذلك مع أزمة هي مراوحة مستوى النتاج الفني العام في حفر الروتين والتكرار. هيفا باختصار، حوّلت كل عناصر الضعف التي واجهتْها إلى عناصر قوة.
وللتذكير: هيفا امرأة تعرّضت للقتل الفعلي في لبنان والعالم العربي على مدى سنوات عبر آلاف النكات الجنسية المقيتة عنها، ومئات الشائعات المغرضة التي تهدّ الأركان، وعشرات الفضائح الصحيحة والمركبة. ضغط نفسي واجتماعي وإعلامي تمادى، وفوقه قنوات التواصل التي تفرغت لتعرية هيفا من كل جميل أو خير أو صفة طيبة. ومع ذلك استمرت واقفة تجابه العواصف المدمرة من كل الجهات، وبنت شهرة لم تهتز وحبا مع الناس لم ينطفئ، وحصدت إلى الآن محبة شعبية وثروة أغنتها عن كل متطفل عليها...
ألا تستحق هذه المرأة أن تعيش عمرا أطول من أعمار كل الذين انتظروا وقوعها؟
طبعا، لا يستغرق كتابي في تبيان ظاهرة هيفا وهبي، بل يدخل محللا المجتمع الفني العربي، ونماذجه، ويدرس الصحافة الفنية والثقافية في خمسين عاما هي عمري المهْني، والعين في الكتاب على عبقرية من غاب من نماذجنا المضيئة أمام عبقرية من بقي وماذا يكون منها في آتي الأيام والانتظارات.