بيروت - لبنان

اخر الأخبار

28 تموز 2020 12:00ص السلوك الإنساني المرتبط باللون ودوافعه النفسية في أعمال الفنان الراحل حليم جرداق

من أعماله من أعماله
حجم الخط
تستند أعمال الفنان الراحل «حليم جرداق» على ملاحظة السلوك الإنساني المرتبط باللون ودوافعه النفسية من الأحمر والاحساس بالتحدّي الى الود والتراخي في التجريد والمعايير العالية للألوان التي تميل الى خفّة الحركة والتعاطف، والهدوء في الأخضر الى الأزرق الأكثر دقة في التنظيم، مما يشكّل نوعا من التحوّلات والتغيّرات في أعماله غير الثابتة على حال، إذ يتنقل في الأساليب ليمنح اللوحة سلوكا ذاتيا ينبثق من قدرته على ترجمة أفكاره. فهل حاول أن يتنفس من الألوان، ليتشكّل عالمه التشكيلي من ألوانه السلوكية أن شاء التعبير؟

أن تكتب عن الراحل «حليم جرداق» يعني أن تبحث عن طفل يمضي في لجج الألوان، وكأنه في رحلة سندبادية يكتشف من خلالها نفسه بين سلوكيات الآخرين، لكن في الحفر تأكيد على وجوديته في عالم الفن الاحترافي المنظم والمخطط، والمتحكم في مسارات الخط المتكيّف مع الكفاءة في التأسيس البنائي للوحة، وبديناميكية محفّزة وقادرة على تعزيز القناعات الفنية التي استنتجها في ممارساته المتنوّعة في الفن. فهل يمكن اختصار حياة فنان في بضع كلمات توجز رحلة طويلة في الفن أمضاها بين عدة جزر من الألوان أو من المدارس التي تنقل معها، ليصل إلى قناعاته في أهمية السلوك الإنساني المرتبط باللون ودوافعه النفسية، وبرشاقة ذات نهج إيقاعي مترادف مع الحركة المناسبة التي تولد انتاجا تشكيليا دقيق الامتثال لنظريته الخاصة في الفن، وسرعة الالتزام بالتقنيات التي تحتاج الى مهارات مرنة ذات قاعدة تبدو غير منضبطة، لكنها تتقيّد بالمبادئ والأسس الفنية التي تضفي على المميّزات نوعا من التركيز البصري، لاستدراك قيمة التكامل في العمل الفني بغض النظر عن مدارسه. فهل استسلم «حليم جرداق» للكثير من الأفكار في الفن من وجهة نظره؟ أم أن لكل لوحة من أعماله بيئة خاصة ولدت فيها للتأكيد على متغيّرات سلوك الإنسان في العمل الفني، ولرصد جمالية التكوين التشكيلي واختلافاته حيث الزمان والمكان أو المساحة التي يولد فيها العمل الفني.

فتح الراحل جرداق لوحاته على مساحات غنية بالرؤى التشكيلية المختلفة حسيا بتياراتها الفنية، إلا انه لا يمكن أن تخلو لوحة من شاعرية هي محاكاة بين التعبيرية والانطباعية والسريالية والتكعيبية والتجريدية الواسعة الآفاق، والتي تشكّل نوعا من التبسيط في التأويل الجمالي المدرك من حيث الكلاسيكية والحداثة، والتي تشكّل ثورة تتشعب منها عدة أساليب تحكمها المعايير الذاتية للفنان الذي يستسلم للسلوكيات المتعددة للريشة، ومعانيها حتى في لوحات الحفر التي تحتاج الى قوة في تحديد الخطوط للانطلاق بموضوعية نحو الرصانة الفنية التشكيلية التي يخوضها اللاوعي، لانتاج الجمال المحفوف بالحرية التعبيرية وقدرة الألوان على خلق المعاني المعاصرة. فهل بصمته هي لوحة امتزجت مع أعماله كافة، والتي تشكّل نوعا من تحديات الحداثة في الفن؟ أم ان التوغل في إرثه يحتاج الى بحث معمّق هو مغامرة بحد ذاتها، لأنها ترافق مسيرة العمر الزاخر بالتنوّع الجمالي في الفن؟

تتجدد الرؤية في مختلف أعماله وتتقلب بين الكلاسيكية والحداثة، وبين التجديد في أساليب يتبنّى فيها عدة مدارس الفن آخذا بمنطلقات الألوان ومزاجيتها النفسية، وسحر التشكيل المندمج مع الخط الذي يحاول من خلاله حفر بصماته التي ستبقى الشاهد على أفكاره دون الخروج من زمانية اللوحة ومكانها أو ملامستها لحيويته الشخصية في الفن، وبأسلوب يكتسي عدة نظريات تنضوي تحت راية ريشته ونظرياته التي تركها ليبرهن عن غربة الفنان في مسيرته الفنية، وقدرته على بث الغموض الخفي، وبمزاجية عالية جعلتني ابتعد في مقالي هذا عن السيرة الذاتية لفنان أثبت صعوبة الحكم على أعمال تشرّبت عدة تيارات تركها ليبقى حيا فيها وموجودا حيث اختفى جسداً.