والمقصود بالسواد الأعظم هنا هو القارئ العربي في كل مكان من الوطن العربي الذي يُعاني من تلك النسبة المتدنية من القراءة وفق إحصاءات منظمات ذات ثقة.
أحد الأصدقاء الاختصاصيين ألمهتمين بالشأن الثقافي يوزع نبوءته يمنة ويسرة بأن الوضع الثقافي العربي العام يذهب بأتجاه التردي لا التحسّن وان وسائل التواصل ساهمت في هذا المجال سلباً.
وبغض النظر عن وجهة النظر هذه فأن الواقع الثقافي واضح للعيان وليس بحاجة إلى الكثير من البحث والتدقيق.
وقد يكون الكتاب المطبوع هو أفضل وسيلة للقياس.
والقصة قديمة وليست جديدة.
وحول ذلك لا بدّ من سرد هذه الواقعة.
منذ سنوات اردت كتابة مقال عن الأديب الراحل محمّد عيتاني وخلال بحثي في الارشيف عثرت على مقابلة له مع مجلة أسبوعية قبل وفاته بثلاثة أعوام.
وفيها يقول في معرض كلامه عن الحالة الادبية:
يطبع من كتاب لنعيمة ثلاثة آلاف نسخة تبقى في مستودعات دار النشر لمدة عشر سنوات ولا يباع منها الا القليل بينما مجلة أسبوعية «فنية» (سماها) تطبع اسبوعياً حوالى العشرة آلاف نسخة ولا يكون لديها مرتجعات من هذه الكمية». (انتهى كلام عيتاني).
هذا هو السواد الأعظم الذي إذا أردنا الغوص في مياهه نغرق في حديث أو بحث طويل خلاصته بكل تكثيف ان قدرة التلقي عند الإنسان العربي وبمستويات مختلفة (اعني التلقي الادبي) تلعب في ضعف نوعيتها عوامل كثيرة منها عهود الاستعمار والتخلف الاجتماعي والاستهداف الفكري - الثقافي المضاد... الخ..
لذلك يتميّز الإنتاج الأدبي الحالي بالسهل والعادي وليس هناك ما يمنع من استمرار ذلك لفترة طويلة مقبلة.
لذلك فأن أحد أهم واجبات الأدب اليوم هو الذهاب إلى التغيير في نمط ونوعية الكتابة الأدبية خصوصاً الرواية التي ما زالت لغاية اليوم تدور في فلك السرد الكلاسيكي الموروث ويصبح الاتجاه للتغيير نوعاً من المغامرة.
اما رفع مستوى نسبة القراءة فذلك على ارتباط مباشر بالسياسات الثقافية للانظمة الحاكمة التي يبدو ذلك في آخر اهتماماتها.
في أوروبا عامة على سبيل المثال في أواسط القرن الماضي اتخذت قرارات بتشجيع إصدار كتاب الجيب «Livre de poche» بحيث يستطيع القارئ تناوله وهو في القطار أو أية وسيلة نقل، أو وهو واقف في الصف امام دار عرض أو متجر.
فأين نحن من ذلك؟.
وتأتي العوامل السياسية لتزيد من الطين بلة.
حروب تكلف المليارات وبالتالي حالات اجتماعية متردية إذ لا يمكن من الجائع ان يقرأ بدلاً من تفتيشه عن طعام.
أو ان يقرأ بدلاً من سعيه للحصول على دواء...
تلك هي الحالة..
حالة السواد الأعظم.