بيروت - لبنان

اخر الأخبار

27 شباط 2020 12:01ص العقل في العصر الإلكتروني

حجم الخط
كتب برنارد شو ذات يوم إلى صديقته رسالة ختمها بعبارة «أعذريني أَنْ كَتَبْتُ لكِ عشر صفحات. لا وقت لديَّ كي أكتب رسالة موجزة».

سطوع البلاغة في هذه العبارة، دلالتها على صعوبة الكاتب في الإيجاز، وسهولة كتابته السَّرد المرسَل. كذلك، كلما اتَّسعت رؤيتنا ضاقت عبارتنا.

هل الأقلّ هو الأكثر؟ هل الإيجاز أبلغ من السرد؟ سُئل رودان عن سرّ ابداعه تمثال «المفكّر»، فأجاب: «الأمر بسيط، جئت بصخرة مسنَّنة أزلتُ عنها الزوائد فتجلّى التمثال مصقولاً».

وبعدما كان بريد الأمس السحيق يتوسّل الحمام الزاجل، والأمس القريب يتوسّل البريد الورقي المتسَحلِف، بات إيقاع الوسائط الالكترونية يتوسّل الرسائل القصيرة والنصوص الـ «فايسبوكية» السريعة والتعليقات التغريدية الموجزة والبرقيات الالكترونية، ما يختصر الكلمات والوقت.

لذا، يشيح المتلقّي عن المطوّلات ويتوق إلى الأثر الذي يقرأه أو يشاهده أو يزوره على شاشة محموله أو جهازه الثابت موفّراً وقت البحث والانتقال. فهل يجدر بالمبدعين أن يستلحقوا سرعة العصر أداءً وإيصالاً، ويتّبعوا إيقاع العقل المعاصر بانتقالهم من الـ «جيغا» إلى «نانو» في الإبداع الأدبي ليكون أبلغ وأقوى وأجمل وأفعل وأبقى وأنقى من أعمال العقود السابقة.

من مطوّلات الأمس إلى «هايكو» اليوم، هل يأخذنا هذا العصر إلى نانو أكثر نانويةً بعد، فيبعدنا عن كل «ميغا» أو «جيغا» تجعل آثارنا خارج العصر وتالياً خارج قرّائنا ومتلقّين ما يضبطون صباحهم على كسل صياح الديك بل على دقّة «المنبّه» الإلكتروني؟



أستاذ في المعهد العالي للدكتوراه