بيروت - لبنان

اخر الأخبار

4 أيلول 2019 12:00ص الفنان الإسباني دييغو فلاسكيز ولوحة القزم

لوحة القزم لوحة القزم
حجم الخط
تتخطى الألوان الباردة بهدوء «لوحة القزم» للفنان الإسباني «دييغو فلاسكيز» (Diego Velázquez) عاكسا الظل بغرابة لا تقلّ أهمية عن جديّة الملامح وقساوتها، لقزم يجلس على الأرض بثياب فخمة، حيث تتناقض القساوة مع التواضع وقبضات اليد المتوازنة تشكيليا، والملامح المرتبطة بقوة الشخصية التي يظهرها بصلابة مع خلفية معتمة ومغايرة تماما للظل المثير للكثير من التساؤلات تاركا لثقل النظرة ارتباطا باليدين وقوة الجلسة المستقرّة لتمثيل الواقع القوي لشخصية القزم ومركزه الاجتماعي الذي يبدو أنه من سلالة عريقة توحي بالتحكّم والقوة وضمن التواصل الفني الذي يضاعف من قيمة الشخص، وان كان من الحكّام أو من عائلة ثرية أو ارستقراطية. وعلى الرغم من بساطة اللوحة، إلا انها دقيقة بصريا في تحديد ملامح الشخصية في الحركة المستقرّة، ان ضمن الألوان أو ضمن الملامح الأساسية التي أراد التعبير عنها ببرودة شديدة القسمات بمعنى استخراج الجوهر الإنساني لهذا القزم غير المتعالي، وهو يجلس في ترقّب وحذر وفرض حضوره على الآخرين، وهذا ما جعله يرتكز في العينين واليدين. فهل فكفك «دييغو فلاسكيز» سر شخصية القزم ليمنحها القوة التي يتصف بها من الخارج! وفي العمق هو الظل الحي الذي ينبض بالإنسانية؟

قزم مرموق ارستقراطيا بريشة فنان ولد عام 1955 في إشبيلية، وبقي في سعي دؤوب ودقيق ليصل الى هدفه، وهو أن يصبح رساما للملك، لهذا نجد في هذه اللوحة النقاط الأساسية هي خارطة ثابتة يجمع من خلالها الإنسان العقلاني بعيداً عن الضحك أو الابتسامة البلهاء أو غير ذلك، مما يبعده عن توضيح قوة الرجل في العيون والرأس بشكل كامل مع الأذنين أيضا وصغرهما دون أن يقلّل من شأن الجلوس على الأرض الذي منحه صفة حسّية وصفة جمالية، وهي معادلة الأبعاد لتكون قادرة على الانقسام وفق الخطوط التي حدّدها وسط العتمة، والإضاءات اللونية من الجبين وصولا لبياض العين والنظرة العليا التي يغلب عليها الليونة والعاطفة، وحتى الحزن في قسم منها، فهو استطاع من خلال الملامح منح القزم صفة رجولية طبيعية تميل الى الإنسانية، وان بدا القزم من الطبقة الارستقراطية في لباسه، إضافة الى جوهره الروحاني والحزن الطفيف معنويا، إذ استطاع وضع صفة لجوهر القزم الإنساني ونفسيته المتألّمة من لعب دور شخصية جديّة بعيدة عن الضحك من خلال إظهار طبيعة هادئة وحزينة معا. فهل في جلوسه حكمة تشكيلية ذات طبيعة جمالية تبعد عنه صفة القزم أو الإنسان غير الطبيعي؟

أسلوب سهل وجريء ويتميّز بالعبقرية الفنية وإظهار العلاقات النسبية للشكل مع الإضاءة المرتكزة على الجبين العاكس للملامح ككل والمؤدّي الى خلق التأثير العاطفي مع الوجه والعينين أو الوجه بشكل عام لرجل خاص وليس بالشخصية العامة. إذ أظهرت ريشته ان الجديّة أكثر نبلا من الابتسامة، لهذا جرّد «دييغو فلاسكيز» القزم من الابتسامة، لكنه لم يجرّده من العاطفة في الملامح ذات المنطق التشكيلي الموضوعي في تحيّزه لصفات الإنسان الجالس على الأرض حيث تنطمس القاعدة الذهبية وتظهر في آن بمعنى جمع الخطوط أو انقسامها دون أن تتعادل مع الظل، بل تفارقه بغرابة، وبهذا استطاع الاحتفاظ بجوهر شخصية القزم كإنسان طبيعي من السلالة النبيلة التي تتصف بالقوة والصلابة والجديّة، ولا تتعاطف حتى وهي يتم رسمها بريشة وألوان فنان من العصر الذهبي. فهل أراد فلاسكيز أن يبرهن عن قدراته في منح شخصياته المرسومة الصفة النبيلة المعهودة آنذاك؟ أم انه تركها على طبيعتها حين تناقض مع الظلال، ليعكس الحقيقة الجوهرية للقزم؟