ميشلين بطرس كاتبة وقاصة سورية، من مدينة دمشق، تعمل مدرّسة للغة العربية، تكتب القصة القصيرة والقصيرة جداً والدراسات النقدية في المسرح والأدب والشعر، ناشطة في مجال الثقافة والأدب نظمت العديد من المهرجانات والأمسيات الأدبية والموسيقية في المراكز الثقافية تنشر نتاجها في الصحف والمجلات العربية والعالمية.
{ تكتبين القصة والقصة القصيرة جداً والدراسات النقدية في المسرح والقصة والشعر، وأيضاً أنتِ ناشطة في مجال الثقافة والأدب ألا يساهم هذا في تشتيت المبدعة التي في داخلكِ، ومن أنتِ، القاصة أم الناقدة أم الناشطة؟
- إن كتابتي للقصة القصيرة جدا، ودراساتي النقدية في المسرح والأدب، وما أنظمه من مهرجانات وأمسيات ادبية لا يشتت المبدعة في داخلي، بل على العكس تماما يعزز شعلة الابداع ويطورها، بل ويحميها من الانطفاء أو الخمول، أضف على ذلك اهتمامي بالفن التشكيلي، ولي عدة دراسات في لوحات تشكيلية أقيمت في معارض داخل بيروت، هذا لا يعني أبداً أن المبدع لا يحتاج الى عزلة كي يحلّق في فضاءات تخييله لتولد انجازاته، بل على العكس تماماً، لكن ولأن لا عزلة دون ضجيج، ولا ضجيج دون عزلة يبقى خلق التوازن بين الثنائيتين هو ما يحتاجه المبدع، وهذا ما أعمل على اعتداله في مسيرتي الأدبية.
{ في قصصكِ تستعملين لغة مبسطة وبعيدة عن بلاغة ثقيلة، مما يجعل قصصكِ تمتاز بالجمالية، هل دائما تكتبين بهذه اللغة، أم تكتبين بلغة شعرية مكثفة أيضا؟
- للبعد اللغوي في القصة القصيرة جداً خصوصية أكبر من باقي الأجناس الأدبية الأخرى، لأنها البؤرة الأساسية التي تنطلق منها الأبعاد الأخرى في القصة وترتكز عليها. ففي قصصي القصيرة والقصيرة جداً التي أكتبها تقترب اللغة فيها من لغة الشعر سواءً أكان على صعيد الجملة التي تنتج رمزاً وإيحاءات وانزياحات، او على صعيد الدلالة العامة التي تنتجها قصتي كاملة، ولأن اللغة أداة إنتاج وليست أداة اتصال، تكون اللغة من داخل القصة وليست من خارجها، لذا أكتب بلغة مبسطة وشعرية مكثفة في آن معاً.
{ هناك من يدعي وهذا برأيي تعسّف أن القصة القصيرة هي تدريبات تسبق الرواية وليس لها مستقبل، مع أن لها حظاً وافراً في النشر وقلما تهملها صحيفة أو مجلة أو حتى إذاعة، ما رأيك؟
- يقول يوجين اونيسكو: «كل أدب جديد عدائي! فالعدائية تمتزج بالأصالة وهي تقلق ما اعتاد عليه الناس من أفكار تكون القصة القصيرة تدريبات تسبق الرواية عندما لا تكون قصة قصيرة، بمعنى ان النص لم يرتق بعد ليصبح قصة قصيرة، إنما هو نص يتأرجح ما بين الخاطرة والسرد المباشر، او الحكاية والوصف، ففي بناء القصة القصيرة والقصيرة جدا يجب ان يؤدي حذف كلمة واحدة منها الى خلخلة البناء السردي بأكمله» والمبدع الحقيقي هو وحده من يمنح هذا النوع الادبي مشروعيته، وفرضه بقوة على مستوى الساحة الادبية.
{ القصّة القصيرة جدًا، أو ما تُسمّى ق. ق. ج، كيف ترينها، هل هي فنّ أدبي قائم بحدّ ذاته؟
- دعني أخبركم أن «الفن وحده ينقذنا من الجنون» وهذا ما قالته الروائية غادة السمان «فالفن خطوة من خطى الطبيعة الى اللانهائية» كما يراه جبران، والق.ق.ج هي فن القصّ، إنها من أصعب الأنواع الأدبية وأكثرها عمقا ومعرفة، لها استقلاليتها التي تؤكدها توالي النماذج الجيدة التي تكتبها، والنقد الذي يدرسها بجدية, إنها فنّ قائمّ بحد ذاته، فهي بمثابة انفجار كوني يضفي التمييز والاستثناء على موهبة المبدع.
{ غالباً ما نرى إقبال الناس في عالمنا العربي على الكوميديا والتراجيديا أكثر من الإقبال على الثقافة الحقيقية ، بماذا تفسرين ذلك؟
- «نحن ذلك الشعب المثقف الذي يمسح الزجاج بالجرائد، ويقرأ من الفنجان» وقد صدق نزار قباني فيما قاله، فعالمنا العربي لم يدرك الاحداث بعد، لأنه عالم أناني، ينجذب الى مغناطيس العادات والتقاليد، إنه عالم منغلق على ذاته، لا يتقبل الاخر فليس للمحبة محل من الاعراب ومع الأعراب بمكان، لأن الثقافة الحقيقية هي ثقافة الانسانية أولاً وآخراً، وفي هذا الصدد أقول: فالماء التي كونتنا عطشى للمحبة، ولن يطفئ ظمأها سوى الانسانية الحقة،، والنور الكامن فيك لا يحتاج إلى غواصة، لأنه يطفو على سطح تلامس وجهه أنامل الشمس والحياة، فلتكن عميقاً أعمق من عمق المحيطات حتى ترى نورك ويلمسه الآخرون فيك.
{ هل يعتبر التذوق الشخصي للنصوص الأدبية أساساً في كل دراسة نقدية ناجحة؟
- بكل تأكيد فالذوق عند المتصوفة يحتل مكانة متميزة في الآداب والفنون، وهو لدى العارفين منزل من منازل السالكين، أنه أثبت وارسخ منزلة من الوجد كما جاء في تاج العروس، وهناك ذوق سليم، وذوق فاسد بحسب ما قاله الأديب الفرنسي لابروبير، وقد عرّفه الدكتور جبور عبد النور» بأنه ملكة الاحساس بالجمال والتمييز بدقة بين حسنات الأثر الفني وعيوبه وإصدار الحكم عليه» ومع الاستعانة بأية معارف أو علوم، وبالارتقاء بالثقافة وبالذائقة العميقة، وتراكم القراءات سيشعر القارئ بلذة النص.
{ من أين تشكل عالمك القصصي، وما دور البيئة المحيطة بكِ في ذلك؟
- يتشكل عالم القصص لديّ من ثلاثة أبعاد بيئية، فأحيانا أكون أنا تلك البيئة التي أبني عليها قصصي، وفي احيان أخرى أبنيها من البيئة المحيطة بي وهي الواقع الذي نعيشه ونتأثر به، والبيئة الثالثة هي مخيلتي الخصبة التي أسبح في فضاءاتها واكتشف مكوناتها بمساعدة من القراءة المتواصلة والبحث والتفكير العميق والغوص في اسرار الموت والحياة، وكي تكون مبدعا عليك ان تأتي بقربة فارغة، وتنفخ فيها وتنفخ، وتظل تنفخ حتى تتجمع من أبخرتك غيومٌ تمطر ماءً تملأ القربة وتروي الحياة.
حاورها: بسام الطعان