بيروت - لبنان

اخر الأخبار

11 كانون الأول 2019 12:01ص المايسترو «لبنان بعلبكي» ألهب الروّاد مع «تشايكوفسكي»

حفل رائع غابت عنه «عبير نعمة» بداعي المرض

المايسترو في حالة إنسجام مع العزف المايسترو في حالة إنسجام مع العزف
حجم الخط
أيامنا التي نعيشها ليست عادية أبداً، لذا فإن كل ما يعتريها من مفارقات تظلّ طبيعية ما لم تتخطَّ المعقول. وندرك أن العديد من المواعيد الفنية، تأجّلت في الأسابيع المنصرمة بفعل التطوّرات الميدانية المجيدة التي يسجلها الشعب اللبناني بفخر وثبات.

قليلة هي الأعمال التي اقتحمت المشهد اللبناني السائد اليوم، منها الحفل الموسيقي الذي أحياه المايسترو الذهبي لبنان بعلبكي في كنيسة سان جوزيف للآباء اليسوعيين - مونو، قائداً للأوركسترا الفيلهارموني الوطنية اللبنانية، مع ثلاثة مبدعين: تشايكوفسكي، مرسيل خليفة، ودفوراك، بينما تعذّر حضور الفنانة الرقيقة والمبدعة عبير نعمة، التي إعتذر نيابة عنها مدير الكونسرفاتوار بسام سابا مشيراً إلى أن عارضاً صحياً أثّر على صوتها ومنعها من المشاركة في الحفل.

ساعة كاملة من الموسيقى المضبوطة بعصا صغيرة من المايسترو الشاب الذي لا ينفك يُدهش الحاضرين بكياسته وإلتزامه وحسن قيادته الواثقة لما يزيد عن 70 عازفاً بدوا كأنهم واحد لشدّة إنضباطهم إنسجاماً مع حماسة «بعلبكي» المبتسم على الدوام والذي نسترق تعابير وجهه من جانبيه كلما تحرّك مؤشراً للعازفين عند طرفي المساحة التي تشغلها الأوركسترا، وهي ميزة نادراً ما واكبناها مع غيره، حيث تهيمن التعابير الصارمة والوجه الصامت حتى لا تضيع وجهة العزف مع تبدّد تركيز القائد.

يمسك العصا من طرفيها دلالة على التحضّر الفوري للبدء، الكل من العازفين يأخذ نفساً ويرفع آلته للإنطلاق ومن هنا لا شيء يوقف الإندفاع خصوصاً عندما صدحت أنغام تشايكوفسكي (Marche Slave) فشعرنا برهبة وقوة وفعالية الأنغام في تحفيز السامعين لكي ينطلقوا، يندفعوا في إتجاه هدف واحد هو بلوغ الهدف.. النصر. ما أروع الموسيقى وهي قادرة بسحر عجيب على الدفع إلى ميادين الفرح، أو إبتكار عالم خاص من الفانتازيا يزرع في النفس ورود الأمل والرجاء، كنا مأخوذين تماماً مع روعة ما وصله تشايكوفسكي، لندرك أكثر سر بقاء موسيقاه حيّة جيلاً بعد جيل وإلى أبد غير محدود.

ودخل على عالم الفنان الخاص الدسم والشاهق في جمله الموسيقية المعشّقة بالشرقي من دون أن تتغرّب عن المعنى الكوني للأنغام فهناك مستوى لا يبلغه إلاّ الكبار مع إبداعاتهم لأنهم يجيدون اللغة العالمية أو الـ «سبيرانتو» الموسيقية المبتكرة في مواكبة للغة الـ «سبيراتو» التي يفترض أن تكون لغة التخاطب الإنسانية لاحقاً بديلاً للغات الإنكليزية والفرنسية والألمانية والأسبانية وسواها من اللغات المعروفة على مستوى التحاور البشري، بحيث لا يكون الشخص مجبراً على إجادة أكثر من لغة في وقت واحد، تكفي واحدة دولية هي الـ «سبيرانتو»، وكوننا في حرم الموسيقى فإن هذا الكيان الممتع والمبهر للقلب والدماغ في آن يليق به أن يفخر بكونه يمتلك لغته الخاصة التي يجيدها ويفهمها الجميع على وجه الأرض بالسليقة.

أما دفوراك الرقيق على تحفّز ورفض في آن فإنه ينبش في زوايا الروح بكثير من الدقة والذكاء، هو يتلمس الأحاسيس يدغدغها ولا يدعها تُفلت من قيد المتعة الآسر، ينطلق رومانسياً ثم يتحوّل من دون مقدمات إلى غاضب مع ضربات حميمة حيناً ومتوارية عن الرقة أحياناً وكأنما المطلوب تحقيق فكرة الصدم دون التحطيم وهو ما أمّن تنويعة أليفة رافقتنا مع أجواء السيمفونية الثامنة التي غذّت مسامعنا بأنغام قلما عرفناها بهذه الصياغة.

التحية الخالصة للمايسترو بعلبكي ولثلاثية خياره في تلك الليلة الأنيسة.