بيروت - لبنان

اخر الأخبار

19 تشرين الثاني 2019 12:02ص المرواتي لـ «اللــــــواء»: الخروج من توابيت التجنيس إلى فضاء الحرية التعبيرية

د. عمار أحمد المرواتي د. عمار أحمد المرواتي
حجم الخط
عندما تكتشف بأنك تعرّفت على كتاباته الآن، تأسف على زمن مرّ من دون أن تقرأه من قبل، فتشعر بأنه عليك اللحاق بمرواته قبل الشعور بالندم. هو الدكتور عمار أحمد المرواتي، أديبٌ وموسيقيٌ وأستاذ أكاديمي في جامعة الموصل، أصدر كتبا عديدة صنّفها تحت اسم «المَرْواة». آخرها كتاب «من أسمائه الحُزنى» الصادر عن دار فواصل في بيروت.

لفتني جدا سرده المكثّف وهذه السيرة المتفجّرة في أسلوب موسيقي سلس، في نص عميق المعنى جميل اللحن، خاصة في كتاب «من أسمائه الحُزنى» فأتى هذا اللقاء للإضاءة على كتاباته.

{ هل من الممكن ان تشرح لنا بإيجاز معنى «المرواة»؟ وبالتالي كيف تساعد ما تتضمّنه في السيرة السردية؟

- المَرْواة بفتح الميم وتسكين الراء فضاء سردي خرج من توابيت التجنيس إلى سعة الحرية التعبيرية، فقد نأت بنفسها عن وظيفة الإخبار، ولم تتوغل في إيحائية الشعر ولم تتقوقع في قصر القصة القصيرة ولم توغل في اتساع الرواية، لغتها تسعى بأناة إلى السير على الحد السحري الذي اراه وأسمعه معا بين شعرية الشعر ونثرية القص.. ومن خصوصياتها الاعتماد على ذاكرتها في تخليق الحكاية الشعبية وعدم استدعائها من الموروث الجمعي.. أما ما يخص علاقتها بالسيرة فهي الفضاء الأرحب لتأسيس التسريد على خصوصية التجربة الحياتية، تدفعها لغتها إلى فضاء بكر تؤثثه بما يجدّد ذاكرة المتلقّين، إن الانحراف في تشكيل الجملة وترفعها على الإخبار سيدق جرس تنبيه عند المتلقي، لأن ثمة صورة وحدثا، وخبرا قد تشكّلوا على نحو لا شبيه له في المخزون.

{ «من أسمائه الحزنى» سيرة سردية فيها الكثير من العمق والحزن والقليل من الربيع؟

- هي بوح من عاش أحداثا فوق خرافية، وفوق أسطورية، هي شهادة على أحداث يبدو فيها الهول في المفهوم العام وديعا.. أتعرفين ما معنى أن يعيش إنسانا يتمتع بذاكرة نشطة، ولكنه عاطل عن التذكّر؟!! هو أنا وكل من يشبهني لقد قصفوا ذاكراتنا سيدتي قصفوها، وكان تدمير الحياة برمّتها أمرا أهون لو يعلمون!

{ لنعطي مثالاً للقارئ عن هذا السرد: «لهذا المساء نكهة الموت وجفاف الصوت في الحلوق، يا سيدي دائماً... لهذا المساء نكران التمني واندثار الغناء.. فكل شيء ينحني ليلتقط شظية، أو دمعة أمّ، او آهة قتيل يا سيدي في هذا الزمن الذي شحّ فيه الوصال وتيبسّ التقبيل، ألا تسمع أنين الدمع على أعتاب العيون؟» من تخاطب في هذه السيرة، أستاذي الكريم، بشكل عام وخاصة في هذا المثال؟

- بصدق أقول أخاطب كل من كان له القدرة على منع ما جرى ولم يفعل. أقول في هذه المقطع أن علينا أن نصحو من وهم الاتكال، والإصرار على السؤال، لأن الحياة لا تصنعها الأجوبة فالأجوبة تأتي من المتعلمين ولكن الأسئلة لا تأتي إلا من راغبين في الكشف عن المجهول فالأسئلة حث على استنطاق المسكوت عنه وكشفه، تعريته ومواجهته.. أسئلة كثيرة نحتاج إليها بقوة لا تقل عن قوة الحياة نفسها، فلا تجدد ولا خلاص إلا بالأسئلة الجوهرية، لأنها القوة الدافعة الحقيقية للحياة.. أيكفي جوابي هذا على سؤالك في مثل هذه الظروف؟!

{ حضور المرأة ملفت في كتابك الأخير فهي مصدر البسمة والفرح، كذلك استعمالك لمصطلحات الجندرة في الأسلوب. فما سرّ هذا التأثير الانثوي الجميل؟

- المرأة حاضرة في مراويّ والتماعاتي كلها، لأني انطلق من قناعة هي: أن المرأة سرّ الحياة وسرورها.. المرأة تشغل ثلاثة أرباع مساحة الجمال في الحياة والربع الآخر تتقاسمه كل التفاصيل الجميلة الأخرى، إن قناعة راسخة عندي هي عدم وجود امرأة غير جميلة ولكن ربما هناك من لم تكتشف خصوصية جمالها.. من زاوية أخرى فإن المرأة تأتي في المراوي والالتماعات شكلا تتعين به قيم كلية عظيمة فهي الحرية والعدالة هي ابتسام الصباح واستعداد المساء لأناقة سهرة الليل، هي لغة الوردة الصامتة الندية وهي الأم النبيّة. فالحياة بوجود المرأة مرآة ومن دونها مرارة.

{ يُعدّ فلوبير (أحد أهم الكتّاب الغنائيين الفرنسيين) انّ الإيقاع والموسيقى هما العامل الذي يحقق بواسطته الأديب أجمل أحلامه في النثر كما في الشعر؟ فما أثر دراستك الموسيقية على أسلوبك الكتابي وبالتالي انعكاسها على المضمون؟

- كلام لا غبار على سلامته، فالإيقاع والموسيقى حاضران بقوة في الشعر ولا سيما الشعر الكلاسيكي العربي والغربي، والإيقاع بمفردة حاضر في كل الأعمال النثرية (مقالة وقصة قصيرة ورواية ومسرحية) لأنه مرتبط بالزمن، أما عن تجربتي بوصفي موسيقيا فأزعم أنها تختلف كثيرا، لأني أدفع بالجملة الأدبية إلى أن تكون موسيقى وقد التفت نقاد كثر إلى هذه السمة، وهذا ما أشرت إليه سريعا من حيث النأي بتسريد المرواة عن الإخبار.. منطلقا من حقيقة أؤمن بها قال  أحد الفلاسفة (كل الفنون تسعى لأن تكون موسيقى) هذا من ناحية، أما من ناحية أخرى فإني وظفت الجملة الموسيقية نفسها (أي العمل الموسيقي الذي أؤلفه أنا) بوصفه بديلا عن الصورة والتخطيطات التي كانت ترافق الأعمال الأدبية وقد ابتدأت هذه الفكرة بالتحقق في مرواة (بيبونا 2003) التي ضمّها كتابي (بي آبي نان والجوائح الذي أعدت طبعه في سوريا وصدر عن دار حوار في اللاذقية عام 2011) ثم كررتها في مرواة (من أسمائه الحزنى) التي صدرت مؤخرا عن دار فواصل في بيروت في شهر أغسطس من العام الجاري.

{ هل من كلمة أخيرة تحب أن توجهها الى القارئ اللبناني؟

- نعم أقول له أبلغك محبتي وإعجابي فلو لم تكن أنتَ ما كان الإبداع اللبناني بمثل هذا المستوى، ولو لم تكن أنت ما كان لبنان قِبلة الكتّاب والفنانين من أصقاع البلاد العربية الواسعة، وما صار قُبلة عاشقي التمرّد والاختلاف الواعيين الفاعلين، وعلى المستوى الشخصي منحني القارئ اللبناني بعد تلبيتي أكثر من دعوة ثقافية الثقة الأعلى والأثبت.