بيروت - لبنان

اخر الأخبار

8 أيار 2024 12:00ص النقد والنقّاد

حجم الخط
لا يختلف إثنان مع القائل: إن الفنون والآداب هما السجل الوحيد لكل التجارب الإنسانية، ولا نغالي في القول، إن وجودهم أوجب حتمية وجود النقد ليُرافق مسيرة الإبداع، ونحن هنا نحصر الكلام عن أهمية النقد الأدبي تحديداً، مستشهدين بقول الأستاذ محمد مندور: «إن الأدب إنعكاس لواقع الحياة وتطوّرها، وهو ليس انعكاساً سلبياً، بل إنعكاس إيجابي، فهو يرتدّ ثانية الى تلك الحياة، يحثّ خطاها ويدفعها نحو مزيد من التطوّر والتقدّم». أضف الى ذلك إن تاريخ الأدب العربي مليء بالنقد الذي يرجع براياته الى تلك الاجتماعات في الأسواق الأدبية، خاصة «سوق عكاظ» حيث كان يجتمع الشعراء ويلقون قصائدهم أمام جمع من الناس الذين يصغون الى تلك القصائد فيتدارسونها ومن ثم يحدّدون القصيدة الفائزة وأسباب نجاحها، بعدها تُكتب بماء الذهب وتعلّق على جدار الكعبة، أما المقاييس التي كانوا يعتمدونها فنلخّصها بثلاثة: الجودة، الاستحسان والجزالة في اللفظ.. وقد عرف التاريخ الأدبي مجموعة كبيرة من الدارسين، وقد طالعنا الجاحظ في كتابه «البيان والتبيين» أهم ما كان يؤخذ على الشعراء والكتّاب في ذلك الزمن، فتحدث عن اللحن أي الخطأ في اللغة واللحّانين وكيفية استعمال مخارج الحروف.. أما إبن سلام الجمحي فقد كان أثقب عيناً وأبعد تفكيراً، فقال في كتابه «طبقات الشعراء»: «وللشعر صناعة وثقافة يعرفها أهل العلم، والصناعات منها ما تثقفه الأذن ومنها ما يثقفه اليد ومنها ما يثقفه اللسان».
الى جانب كل ما تقدّم، من الضروري معرفة الظروف السياسية والاجتماعية التي عايشها الأديب، كذلك الأفكار السائدة في عصره ومدى تأثيرها على فكره وعطائه، كما يجب التفريق بين ردة الفعل الآنية والعاطفية عند الأديب في مناسبة ما وبين خطّه الفكري العام.. وهنا يمكن أن نسجل الملاحظات التالية: إن الأدب هو السجل الحيّ المستمر في عمق تاريخ الإنسانية ومن الطبيعي إرتداده نحو الحياة لدفعها إلى مزيد من التطوّر والتقدّم وإن كثرة المدارس وتنوّعها تعين على العلم والمعرفة، وأن الناقد كالصراف الذي يُميّز بين المال الجيد وبين المزيّف، ولا عجب أخيراً إن سُمّي النقد بالمشرحة، كما لا يجب أن يغيب عن بالنا الضمير الذي يشبه ميزان بائع الذهب من حيث دقّته وصدقه.