بيروت - لبنان

اخر الأخبار

16 تشرين الثاني 2018 12:18ص بشارة الخوري... «الأخطل الصغير» عصر الشعر الذهبي

حجم الخط
مع الحالة الشعرية المتردية وما يشوبها الآن من شوائب ومع ما يسجل عليها من مثالب لتتذكر قليلاً أحد بناة الشعر وبريق نتاجهم علّ هذا التذكر ينفع معظم القافزين فوق جدار الشعر بأتجاه الهباء.
هنا شهادات بأحد الأعمدة الشاعر بشارة الخوري «الاخطل الصغير»

محمّد ماضي: 
نعزي الانفس بالعودة
إلى ما انشد:
-  مع الأخطل الصغير، نتذكر عبقرية أفلت بعد أن شهبت توهجاً في سماء الشعر، لا يزال ومضه يتجدد مع قراءة كل قصيدة، وإعادة طبع كل ديوان.
نتذكر السهل الممتنع في الأسلوب، والاستطراب في رنين القوافي، ونغمات المغنى في بواطن المعنى.
كان بشارة الخوري في طليعة الشعراء الرومانسيين، الذين شغلوا الأسماع، بالمباني المموسقة والمفردات المرنمة، ورفعوا هياكل الجمال في انسراح الخيال..
في عصر اهتزاز الأوزان، والتفلت من وقع القوافي، وعدم الإلتزام بقواعد القريض وأصول العروض... في عصر الإهمال والاستسهال، نفتقد الشعراء الأصيلين المجيدين.. نفتقد الرنة والغنة والرنيم... نحن إلى الفجاءات الراعشة، والكلمات الناغشة... نفتقد الشاعر بشارة الخوري، ونعزي الأنفس بالعودة إلى نفائس القصائد التي أنشد...
فهو لا يلغو ولا يهذي ويقول قولاً صريحاً.
قصائده عبوات فرح... ونشيجه شدو الحنين..
متغزل بمحاسن الجميلات، متفنن في أوصاف الحسان... لا يستسهل ولا يستغمض ولا يتهتك.. يُركّز النظر على الظلال الهامسة، ويصيخ السمع لإرهاصات النغم، ويسرح في هبوب النسائم علىقسمات الماء...
إن دفعه الإستغراق إلى غيبوبة الشغف.. يتمالك ولا يتهالك، ولو سرى الإنخطاف في وعيه لحظات..
بشارة الخوري، يتذكرك لبنان والعرب، وكل ذواقة الشعر في دنيا الثقافة..
 د. سلوى الخليل الامين: تمر السنون ويبقى 
نزيل عقولنا:
- يزهو العقل حين يمر على أصداء السنين، يقطف من حبيباتها ومضة ألق، تقاطرت على صحائف الصدى تردها إلى المساءات الطافحة بمسك القصائد المحفوظـة غيباً، المرمية على أسماعنا بعذوبة ايقاعاتها وتفعيلاتها وتفاعلها في بواكير النفوس.
حين كنا في بداية تلمس المعرفة، أدهشني شرح أستاذ لقصيدة الأخطل الصغير «الصبا والجمال بين يديك» التي أنشدها لملكة جمال لبنان في ذلك الوقت جميلة حداد الخليل، والتي لحنها وغناها الموسيقار محمّد عبد الوهاب، وأصبحت على كل شفة ولسان، كنا في عمر لا يستوعب كثيراً ذلك التفسير المفعم بالجمالية والتشابيه التي تلمع كالألماس، ينطق بها الأستاذ ونحن معه أحياناً وأحياناً خارج النطاق.
وكبرنا وبدأت مفاعيل الحركة، تدور في أذهاننا وبتنا نفقه التفسيرات والتحليلات والتصاعد والوجد والبيارق، وانبسطت قصائد الأخطل الصغير نعب منها زاداً لذاكرة ترتوي من مخزون لغوي جمالي فيه جزالة اللفظ وحسن المعاني وانشراح الخاطر.
عصر الأخطل الصغير بشارة الخوري، هو العصر الذهبي للبنان الذي منه كان وإليه ينتسب وبه نعتز، إشعاعاته الشعرية لامست عقولنا تلامذة وأساتذة وأدباء وحملة أقلام، حتى ان الشعر إذا نبت في الذهن لا تستقيم فروعه ما لم يمر بالخاطر بيتاً أو بيتين أو جزء من قصيدة للأخطل الصغير.
تمر السنون وتهمس لنا بالعمر المتبقي، ويبقى نزيل عقولنا وذاكرة الأجيال.
 زينب حمود: 
عظمة كثافة الفن فيه:
- هذا الرجل لا ينتهي... لقدوطئ أعراف المجد على سلم من التضحيات فكان مجده للكون... للزمان.
الأخطل الصغير، شاعر النبض واللون والنعم، وباعث الروح في اللفـظة على تعاطف إنساني عميق.
في شعره موسيقى رائعة، فهو أدرك ان الغنائية الصحيحة هي على اللفظة لا على الفكرة.
إملأ الكأس إبتساما وغراما
فلقد نام الندامى والخزامى
زحم الصبح الظلام فإلام؟
قم ننهنه شفتينا ونذوب مهجتينا
رضي الحب علينا يا حبيبي
ثم هو شاعر الصورة والطبقات العلى وإتقان صناعة التظهير الجمالي بحدق جميل.
هو رق للجوع ووصف الفقر وتغلغل إلى أعماق الإنسانية المعذبة، اما الحب فغني عن القول إن الشعر المعاصر ما عرف أرق منه ولا أرهف حتى غدا شاعر الهوى بلا منازع، وكلما ذكر الهوى، ذكر الشباب معه وذكر شاعر الهوى. فكأن الحب جمع فيه وكأن الشباب ما أورق إلا بأرضه.
هذا الذي ملأ النصف الأول من الجيل.. ما سمع يومً أن يبهر بحديث. نفذ إلى الاعماق بصوت خافت ونبرة دافئة، أدرك ان الجمال يؤاخى فدخل منه في الصميم، وراح يعكس عليه إنعكاسه الذهبي الدائم.
لم يخيم عليه الغموض ولا أدركه التناقص، بل ظل على رصانة الأصولي المعتدل الذي إمتاز شعره بعبق الشفافة والنبوغ والابداع.
«الأحطل الصغير» عظمة شعره، كثافة الفن فيه، ولقد أدت به الأنفاس الرومانسية إلى كتابة القصيدة القصصية، ينقل فيها ببراعة أجواء هذه المدرسة الشعرية... ولعل قصيدته «المسلول» تعتبر من عيون الشعر العربي في مرحلته الإنتقالية  بين التقليد والحداثة.
حين يأتي الكلام على الأخطل الصغير «بشارة الخوري» يبرز الحديث عن شعره حتى يغطي سائر نشاطاته وفي مقدمتها الصحافة، وهو بقي حتى وفاته عميداً فخرياً لنقابة الصحافة اللبنانية. وانتخب من قبل سنة 1925 نقيباً لها وكان انشأ جريدة «البرق» سنة 1908.
بشارة الخوري كان شاعراً وصحافياً وعاش الشعر والصحافة في زمن كانت الكلمة فيه قادرة على حشد تظاهرة وحتى على إسقاط حكومة.
وحين كان النّاس يأكلون الكلمات مع الخبز، حذرهم الأخطل من الأطعمة السامة وقدم لهم أطيب الكلام.