بيروت - لبنان

اخر الأخبار

20 تشرين الأول 2017 12:06ص بعد صدور روايتها «الخطيئة» الروائية نسرين بلوط لـ «اللـــواء»: إستحضار وصف المكان حجر أساس في الرواية

حجم الخط
الرواية التاريخية هي مماحكةٌ في تسيير الأحداث وطريقة ترتيبها،  لتتوغل في أعماق القارئ بأسلوبٍ شفاف ميتافيزيقي فلسفي بطبيعته، واقعي بحت بتوصيفه وتحديثه بعض المعطيات، وفي رواية  «الخطيئة» الصادرة عن دار «ناريمان» تعمّدتُ الروائية «نسرين بلوط «تناول حقبة مهمة من تاريخ لبنان غيّرت في التكوين السياسي للبلد ومهّدت لنظام المتصرفية الذي تمخّض عنه الكثير من التغييرات الجذرية. ووقائعها حقيقية تعكس ظلال أبطالٍ عاشوا، ثاروا، واحتدموا بقوة مع مجتمعهم وواقعهم ورحلوا تاركين آثار أرواحهم حيّة في سِفْرِ التاريخ. بدءاً من المير بشير الثاني إلى طانيوس شاهين إلى ميرا الراهبة التي وجدت بلا شك في ذلك الزمن ومع الروائية «نسرين بلوط» اجرينا هذا الحوار:

الصراع في كل نفس تعبث بالنور والظلام

{ تتنقلين بين وصف الأمكنة ما علاقة ذلك في مبنى روايتك؟
- استحضار وصف المكان الروائي ضروري جداً بل يعتبر حجر الأساس في العناصر الفنية للرواية، لأنّ الحافز هو ابتداع اللغة للمكان انصياعاً لأهداف الخيال الروائي ومتطلباته الفنية. وهوبمثابة قِبلَة للمتلقي ومصدر إيحائه.
{ ما هي الرسالة التي أردت توجيهها للقارئ من تناول مرحلة تاريخية معيّنة؟
- قال ليو تولستوي: «الجميع يفكر في تغيير العالم ولكن لا أحد يفكر في تغيير نفسه»،  وفي روايتي رسالة مبطّنة للتاريخ نفسه وليس لمرحلة فيه، بأنّ الوجوه تتغير والقناع واحد. المستعمرون تتبدّل أوطانهم، ولكن هدفهم التفريق والتشتيت بيننا، والثائرون مثل طانيوس شاهين بطل روايتي كثيرون، ولكن اتهامهم بالخيانة يسير وسهل على أصحاب الشأن في اللوجستية الذاتية. الشاعر آرثر رامبو ثار على نفسه قبل أن يثور على الثورة ذاتها وعلى الفوضوية والبوهيمية التي سادت زمنه فجسّد صورة الإنسان العاصي. وقد أردت أن اكون ثائرة بكل ما في الثورة من مغزى على نفسي قبل غيري لحالة الفوضوية التي عمّت عالمنا العربي منذ الأزل.
{ لاحظتُ أنك تتحدثين عن مرحلة كانت الرأسمالية التجارية بشكل خاص تشقّ طريقها بقوة في المدينة بينما النمط الإقطاعي كان ما زال مهيمناً. كيف عكست ذلك؟
- لقد أشرتُ في الرواية بأنّ للإستعمار دائماً وجهاً من وجوه الإيجابية ولو بشكلٍ واه وضئيل. فالاستعمار العثماني في وقتها شهد فتحاً لبضائع الإفرنج على الموانئ اللبنانية وقد أطلقوا عليها لقب «الدرّة الغالية»، وشهد لبنان فتحاً تجارياً مهماً مما خلق طبقة برجوازية تكن الحقد للإقطاعيين وتسعى لمساندة الفلاحين وتلعب دوراً بارزاً في هذا المنوال. وجاءت المجالس البلدية لتشد من أزر الطبقة الضعيفة بمواجهة أسيادهم الإقطاعيين في ذاك الحين.
{  تقولين العاصمة بيروت، مع أنه في تلك المرحلة التي بنيت قصتك فيها لم يكن لبنان قد قام. ما هي الغاية من ذلك؟ 
- روايتي تدور بين عامي 1840 و1875، بيروت أسسها الفينيقيون منذ حوالي عام 3000 ق. م. ثم تدمرت، ثم أعاد الرومان بناءها، وفي عام 1516 أيام السلطان سليم الأول العثماني، كانت بيروت تعد قرية صغيرة. وخلال القرن السابع عشر قام الأمير فخر الدين بتشييد العمران وتحسين ملامحه، وكانت مقرّاً أساسياً للتجارة. إذن هي عرفاً العاصمة منذ قديم الزمن رغم أنّ التسمية جاءت متأخرة. 
{ ثمة صراع داخلي تحدثت عنه حين وقوع بطلتك في الخطيئة. ما معنى ذلك ولماذا هذا الصراع؟
- الصراع يتأجّج في كل نفس بشرية تعبث بالنور والظلام معاً. كاذبٌ من يقول بأنّه عاش كل عمره سابحاً في النور ولم يتمرّغ ولو مرة في الظلام الحالك. ربما يدفعه لذلك الحب أو الحاجة أو التعطش للحنان والحرية. في رواية آنا كارنينا يقول تولتسوي «قبل أن تصدر الحكم على الآخرين احكم على نفسك»، وقد كنت جريئة إلى حد أن فصّلت هذا الصراع الدائر في روح البطلة المارونية الزحلاوية ميرا وهي تنتمي إلى أكبر عائلة إقطاعية في زحلة، بين تعبدها في الكهف الذي كان بمثابة كهف لعهد «أوقيانيوس والفتيان السبعة» لها، إلى تكريسها له عندما غرقت في حب شاب درزي يدعى عابد إلى كهف اللذة. وتثور على الله لأنه لم يلجم جسدها ثم تتوب إليه فتذهب للدير ثم تثور مرة أخرى وتغرق في خطيئة جديدة مع شاب آخر يدعى غسان فقط لتنتقم من خالقها وهذا الصراع هو حبكة الرواية ومفتاحها السحري الذي يشرّع أبواب التعبير لكل نفس بشرية متقوقعة على ذاتها.
{ تناولت الزواج المختلط في مرحلة معينة لماذا؟ بهذا اتخذت الرواية منحى دينياً ما رأيك؟
- هذه المشكلة جذرية وأساسية في عالمنا. الله لا يسكن قبب الجوامع ولا نواقيس الكنائس، هو في القلب وفي الشوارع بين الفقراء والمهرولين نحو البؤس رغماً عنهم. الدين سنّ الشرائع ومنع الزواج المختلط إذن هو من صنع البشر. هنا يحضرني قول الشاعر جلال الدين الرومي: «من دون الحب كل الموسيقى ضجيج.. كل الرقص جنون.. كل العبادات عبء». اذن الدين يصبح العبء الأكبر في طريق الحب الذي أحلّه الله فلماذا نحرمه نحن فقط من أجل الدين؟ والرواية لا تتخذ منحى دينياً هي تتخذ شعاب الإنسانية كلها محوراً لها، بدءاً من ثورتها على الطائفية وحرب الإقطاعيين والفلاحين، والاستعمارات الخارجية والذاتية، ومنع الزواج بين الأديان، والأهم التكتم على خطايانا بدل أن نشقّ صدر العتمة لنخرج هيكلها فتغرق في النور كي تصبح وجه الحقيقة له.


dohamol@hotmail.com