بيروت - لبنان

اخر الأخبار

11 تشرين الأول 2019 12:02ص بيروت خلال حكم محمد علي باشا

حجم الخط
بداية مدينة بيروت الحديثة1832م:

خلال عهد السلطان محمود الثاني، كان لوالي مصر محمد علي باشا أطماع في بلاد الشام، لضمّها الى حكمه في مصر في محاولة لتشكيل دولة قوية تحيي عهد المماليك والأيوبيين.

بعد رفض العثمانيين إعطاء بلاد الشام لمحمد علي باشا، قام إبراهيم باشا نجل محمد علي باشا بحملة الى بلاد الشام، ودخلت القوات المصرية مدينة بيروت في العام 1832م.

دخل إبراهيم باشا الى مدينة بيروت عبر باب الدركاه، وإتجه نحو السرايا القديمة في موكب فخم، وإتخذ الجيش المصري معسكره في ساحة البرج، وكان الملاحظ ان أهل بيروت والذين تربطهم رابطة الولاء بالسطان العثماني لم يرحبوا بإبراهيم باشا حين دخوله.

وقام محمد علي باشا بتنصيب الأمير بشير الثاني حاكماً من قبله على بلاد الشام، وذلك ناتج عن العلاقة الوطيدة التي كانت تربطهما عندما لجأ الأمير بشير الى مصر سابقاً.

إثر سيطرته عل مدينة بيروت، قام إبراهيم باشا بإلغاء التقسيمات الإدارية العثمانية، وعيّن الأمير محمود نامي متسلماً على بيروت.

بدخول مدينة بيروت تحت السيطرة المصرية، بدأ تحوّلها من مدينة قديمة محصورة داخل سورها الشهير الى مدينة متطوّرة وعلى طريق الحداثة، وإنفلشت بالتالي نتيجة ذلك الى خارج ذلك السور.

وإبان الحكم المصري لبلاد الشام، إزداد إهتمام الدول الأوروبية بمدينة بيروت، لدراسة الوضعين العسكري والميداني، وذلك في حال إستئناف الحرب بين محمد علي باشا والدولة العثمانية، كما شكّل ذلك الإهتمام في مكان ما بداية فكرة إستعمارية للسيطرة على بلاد الشام ومنها مدينة بيروت.

شهدت بيروت خلال الحكم المصري إزدهاراً تمثّل بإنشاء المحاكم المدنية، ومجلس شورى بيروت، والمحجر الصحي (الكرنتينا)، وديوان التجارة، كما إزدهر مرفأ بيروت وتوسّع حرج بيروت (غابة الصنوبر)، وتجلّت مظاهر التطوّر في الأمور التالية، وهي على سبيل المثال لا الحصر:

1- إنشاء المحاكم المدنية:

قام إبراهيم باشا بإنشاء المحاكم المدنية في بيروت، ولا شك بأنه تأثّر بما قام نابوليون بونابرت في حملته المصرية من تحديث خاصة لجهة القانون المدني، فأنشأ محكم مدنية إسلامية ومسيحية، مع الإبقاء على القضاء الشرعي، وكان يتولّى الحكم قضاة يعاونهم كاتب لتسجيل الأحكام.

2- مجلس شورى بيروت:

شكّل إبراهيم باشا مجلس شورى بيروت، كما شكّل ديوان الصحة وديوان التجارة، وقد تمّ إنشاء مجلس الشورى عام 1832م، وكان عبد الفتاح أغا حمادة ناظراً للمجلس، كما تألف المجلس من إثني عشر عضواً ينتخبون من أعيان بيروت مناصفة بين المسيحيين والمسلمين.

كان الكاتب يتولّى تدوين وقائع جلسات مجلس الشورى، ويتم تصديقها من قبل ناظر المجلس ثم ترسل الى متسلم المدينة لتنفيذها.

3- تبليط أسواق بيروت:

قام متسلم بيروت محمود نامي بتبليط أسواقها، وأولى إهتماماً بكنس ورش الأسواق حفاظاً على النظافة.

4- المحجر الصحي:

قام إبراهيم باشا بإنشاء المحجر الصحي (الكرنتينا)، قرب جامع الخضر، وكان لهذا المحجر فضل في إبقاء مدينة بيروت بمعزل عن مرض الطاعون الذي كان متفشّياً وقتها، وقد تم تشكيل لجنة طبية من قناصل الدول الأوروبية لتأمين الوقاية من مرض الطاعون بإيعاز من إبراهيم باشا لهنري غيز (قنصل فرنسا في بيروت ).

5- نظام الشرطة:

كان نظام الشرطة قائماً في القاهرة وقتها، وقد قام إبراهيم باشا بتطبيق ذلك النظام حين سيطرته على بيروت، فعيّن ضابط للشرطة مع عدة أعوان له يتولّون حفظ النظام والأمن في المدينة.

6- إزدهار مرفأ بيروت:

إزدهرت التجارة في بيروت بعد أن قام عدد كبير من التجار بالإقامة في المدينة بالإضافة للقناصل، وكانت بيروت تصدّر الحرير الخام والقطن والزيتون وغيرها الى القاهرة ودمشق وحلب، وقد ساهم إزدهار التجارة في توسيع مرفأ بيروت بعد هدم الميناء الصغير.

كما ان السواح كانوا يصلون الى مرفأ بيروت عبر السفن الأوروبية، لأن بيروت تحوّلت الى نقطة بداية في السياحة عبر الشرق.

7- حرج بيروت:

قام إبراهيم باشا بغرس مزيد من أشجار الصنوبر في حرج بيروت، وقد تحوّل الحرج الى متنفّس لأهل المدينة، وكانت تقام فيه المهرجانات في الأعياد من عيد الفطر السعيد الى عيد الأضحى المبارك.

8- سور بيروت:

لم يبد إبراهيم باشا إهتماماً بسور بيروت القديم، بل بالعكس قام بتحفيز الناس للسكن خارج السور.

تم هدم السور في العام 1840م، وشجّع إبراهيم باشا السكان للسكن في الضواحي وهكذا كان هدم السور القديم وإنفلاش مدينة بيروت الى خارج السور بمثابة بداية الإزدهار الذي شهدته المدينة.

في العام 1834م، إحتكر إبراهيم باشا تجارة الحرير، مما أدّى الى تذمّر أهالي بيروت من جراء ذلك، كما أدّى قيام إبراهيم باشا بفرض ضريبة على كل ذكر يتراوح عمره بين 15 و60 سنة الى إمتعاض مسلمي بيروت، مع الإشارة الى أن تلك الضريبة كانت تجبى بطريقة تعسفية.

وقد أدّى قيام القوات المصرية بنزع السلاح وتطبيق سياسة التجنيد الإجباري على الشباب المسلم البيروتي الى غضب عارم في المدينة، وأضيف الى ذلك أن المصريين عهدوا الى الأمير بشير الشهابي بجمع تلك الأسلحة، ولا شك أن سياسة المصريين في بلاد الشام عموماً وبيروت منها تركت لدى المسلمين إنطباعاً أن المصريين خرجوا عن الحكم الشرعي، خاصة بعد سماح إبراهيم باشا بإقامة الخمّارات نتيجة إحتكاره بيع الخمر، كل ذلك أدّى الى حالة تململ كبرى من سياسة المصريين وإلتجأ أهل بيروت الى عمر بيهم (ناظر الشورى) لحل مشاكلهم مع المصريين.

رغم خطوات التحديث العديدة التي قام إبراهيم باشا في بلاد الشام وخاصة في مدينة بيروت، فإن سياسته في عدم إستمالة مسلمي بيروت عجّلت في بداية النهاية للحكم المصري لبلاد الشام، والذي سيتم التطرق إليه تفصيلاً في المقال القادم.

وهكذا شكّل الحكم المصري بداية التحديث في مدينة بيروت، والتي تطوّرت لتصبح وتبقى سيدة بين العواصم.

المحامي زكريا الغول

أخبار ذات صلة