بيروت - لبنان

24 أيار 2018 12:35ص بين الطب والشعر.. الشاعر التونسي د. مولدي فروج لـ «اللــــــواء»

المسرح أب شرعي للشعر .. روايتي «جبل النواعير» لا يكتبها الا طبيب

حجم الخط
د. مولدي فروج اسم له بصمته في عالم الإبداع التونسي وفي تنقله مع نتاجه بين الاجناس الأدبية يبقى محتفظاً بخاصيته التي تجعل منه حالة يجب الوقوف عندها.
في هذا الحوار نحاول الغوص في عالمه لاكتشاف زوايا مخفية غير الظاهر في نتاجه:
{ من إكسير الكون أينع على الضّفاف، مولدي فرّوج  بين «دال الطبّ» وداء الكتابة؟
- أرى أن هذا السؤال مجنون او هو فاقد للعقلانية ولكنني سأتمايل أخذا بخاطره بين الدالين لتكون إجابتي رصينة فيها من العلم ما يكفي وفيها من الإبداع ما يشفي فانا أحاول دائما ان اهرب من الفلسفة في اتجاه الشعر ولذلك فان الصراع بين الدالين في نفسي انتهى لصالح الشعر والصراع داخل النفس هو أنساني بديهي فكل واحد منا يحمل داخله ما يظهران ازدواجيته وهما جهازان جاهزان للاشتغال الدائم واعني الجهاز العصبي الإرادي والجهاز العصبي الحسي أبيّن ذلك: الإنسان خليط بين العقل والإحساس، بين الفكر والمشاعر بين الطب والأدب أي بين الدالين وتكون علاقة الإنسان بالمحيط او الآخر المتقبل خاضعة للجهازين غير ان الغلبة تكون في أكثر الأوقات لصالح الجهاز الحسي او اللاإرادي فهو خارج عن السيطرة.
دال الطب مكتسبة تخضع الى التنمية الفكرية والى ضوابط علمية تقربني أكثر من تناول المريض كمادة للبحث الإجرائي احوصلها في تحرير وصفة فيها دواء مستحضر من مواد كيمياوية لا إحساس لها اما الكتابة وبالأخص الشعر فهي الدواء النفساني الذي قد يرافق الدواء الاصطناعي ولكنه يمر عن طريق الشعور فهو قريب من النفس.
أكاد أن اقول ان داء الطب في حاجة ماسة الى داء الكتابة حتى تستقيم رغم أن الطب  علمني المنطق ومكنني من شحن كتاباتي بالمعرفة. الطب كثيره علم وقليله إحساس أما الكتابة فكثيرها  مشاعر وقليلها أفكار وقديما سمي الطبيب حكيما لكثرة علمه.
{ «أسخيلوس» -الطُّقس –الكوميديا – الزّوايا – الأقنعة...مُسميّات لمرجع واحد، ماذا يعني المسرح في مسيرة مولدي فرّوج؟
- المسرح اب شرعي للشعر والشعر عرّف نفسه للعامة بالإلقاء. فكان الشاعر يلقي قصيدته معتمدا على الحركة (كوريغرافيا) وعلى تقاسيم الوجه (سيميولوجيا) فتبدو بذلك كلماته متحركة. هذه الكلمات المتحركة والحركات تساعد الشاعر على جلب الاهتمام والسيطرة على النفوس وحيازة إعجابها. نحن شعب نقرا الشعر بالسماع حتى وان قدم لنا مكتوبا، نقرؤه بالإيقاع الذي يرافقه ونستهدي بالإحساس. انا شخصيا تعلمت الكثير من المسرح فالى جانب الإلقاء علمني كيف اشتغل على النص وكيف أتلافى الأخطاء عند الإلقاء وكيف أحفظ قصيدتي واين أتوقف واين ارفع من نبرتي. علمني المسرح كيف أكون شاعرا مؤثرا في السامع.
{ وأنت تكتُب شعرا، رواية ومسرحا.. شرّح نفسك لقرّائك.
- كتابة المسرح و الرواية أصعب عندي من كتابة الشعر رغم انني أحاول ان يكون شعري حمالا للفكر.النثر عادة يعتمد على الفكرة أداة له بينما يعتمد الشعر على الصورة فلا يحتاج إلى تركيز كبير واانما يحتاج الى غنائية والى تزويق لفظي أنا لا أتعب من صناعة الصورة وحياكتها ولكنني اتعب عندما اكتب النثر وخاصة المسرح نظرا لكثرة الأدوات التي استعملها في كتابته ونظرا لصعوبة الانتقال من شخصية الى اخرى  ومن مناخ الى اخر ومن مسار الى مسار مغاير تماما وهذا ينبغي ان يتم مع دون مساس  بالجوهر فكتابة الحوار او الرواية تتطلب قفزات كثيرة ومشيا على حد السكاكين دون السقوط في التناقض. الشعر يتطلب شكلا اخر من التركيز أو بعض جنون ولعب على الالفاظ و حالة نفسية مشحونة بينما يستوجب النثر شكلا من الهدوء. الشعر تصوير وردة واستنشاق عطرها اما النثر فصناعة الوردة الجميلة من البلاستيك. الشعر ذاتي يعبر عن نفس واحدة اما السرد فتعبير عن حالات شتى واستبطان لشخصيات عديدة متناقضة أحيانا. ولا ننسى دور القارئ هنا فهو متعود على اختلاق الأعذار للشاعر اذ يدعي انه يجوز للشاعر ما لا يجوز لغيره حتى عند ارتكابه للأخطاء وقد استغل بعض كتاب الخاطرة هذا العذر فجعلوا منها الشعري النثري واستباحوا لانفسهم التضحية بالصورة الشعرية وهي في اعتقادي روح الشعر. 
{ «جمل النواعير» عنوان مُشفّر لفنتازيا خيال علميّ خلاّق يتخفى في عباءة نصّ روائي مُدهش ..ما الغاية من هذه الحياكة المُحكمة لجنس روائي جديد سيعرف حال والدته صيحة حياة مُختلفة عن سابقيها؟
- «جمل النواعير»، وأنت تصفينها بفنتازيا الخيال العلمي وهذا رأي منك وتصنيف اعتز به هي في الحقيقة رواية لا يمكن ان يكتبها الا طبيب قضى 44 سنة في الطب دراسة وشغلا بل لا يكفي ان تكون طبيبا لتكتب الرواية فهي وان كانت تصنف ضمن الرواية العلمية فانها تعتمد الحكاية والخرافة والواقع فضاءا لأحداثها هي كما جاء في عنوانها الثاني:حكاية النيرون والنطاف. النيرون هو الخلية الدماغية التي يفكر من خلالها الإنسان ويبني حضارته ويتفاعل بوعي مع المحيط والاخرين والنطاف هو الخلية المنوية التي لا يمكن للعنصر البشري ان يستمر بدونها فهي التي تزرع الحياة خارج جسم صاحبها ومن هنا تتولد قضية جديدة كيف لهذه الخلية ان تخون الجسم الذي انتجها فتهرب باسراره الى موضع غريب؟ هذا هو السؤال الوجودي الغير فلسفي. الذي تجيب عنه الرواية. اما النيرون فهو وريث السلطة والجاه ولا يحق لاية خلية اخرى ان تناقشه في الأمر لأن الرواية تسأل من يحتاج الى الاخر؟ لله يحتاج الى النيرون لاثبات ظله في الأرض أم النيرون يحتاج الى رب يقوّم له سلوكه ويصلح حاله؟. تدور أحداث الرواية داخل الجسم حيث خلقت عوالم لشخصياتي وتلاعبت بها كما تلاعب النيرون بقطيع الخلايا في الجسم فهو الملك الأوحد الذي يموت بموته الآخرون ولكنه يمر بفترات ضعف فلا يعلنها خوفا من افتضاح امره وهي رواية مزجت فيها الخيال العلمي بالخرافة ومزجت الحلم  بالواقع.

 حاورته: أسماء الشرقي