بيروت - لبنان

اخر الأخبار

5 كانون الأول 2019 12:04ص تطوّر موقف بيروت من إعلان دولة لبنان الكبير

حجم الخط
تقدّم أبناء بيروت بإلتماس الى السطان عبد الحميد الثاني للإنفصال عن ولاية سوريا وإنشاء ولاية مستقلة تكون مدينة بيروت مركزاً لها، وقد إستجاب السلطان عبد الحميد لذلك وأعلنت ولاية بيروت، بمقتضى الإرادة السلطانية بتاريخ 25 كانون الأول من العام 1887، وضمّت المنطقة الساحلية الممتدة من اللاذقية حتى شمال يافا، تحدّها من الشرق ولايتي حلب ودمشق، كما ضمّت متصرفية جبل لبنان وخمسة سناجق هي: سنجق بيروت – سنجق طرابس الشام – سنجق عكا – سنجق اللاذقية – سنجق نابلس.

في 7 تشرين الأول من العام 1918، دخل الحلفاء إلى لبنان، الإنكليز عبر الساحل من فلسطين باتجاه بيروت، وأنزل الفرنسيون وحدات من الجيش الفرنسي في المدينة.

وما كاد الفرنسيون يدخلون بيروت حتى اعترضوا على الحكم العربي وأنزل دي بياباب العلم العربي، ورفع العلم الفرنسي وغادر شكري الأيوبي بيروت على أن يبقى جميل بك الألشي في بيروت بوصفه معتمداً عربياً لدى الفرنسيين.

وبذلك تكون قد إنتهت ولاية بيروت العثمانية، التي إستمرت حوالى ثلاثين عاماً حافلة بالأحداث السياسية والعسكرية والإقتصادية والثقافية والعمرانية، وأصبحت مدينة بيروت بعدها عاصمة للدولة التي ستسمّى فيما بعد بدولة لبنان الكبير.

إن قيام دولة لبنان الكبير في الأول من أيلول من العام 1920 ثم قيام الجمهورية اللبنانية في الثالث والعشرين من أيار من العام 1926، يعتبر إنجازاً لأهل متصرفية جبل لبنان الذين أدركوا أهمية تحوّل متصرفية جبل لبنان الى دولة لبنان الكبير، علماً بأن هذه الدولة لم تنشأ فجأة إنما سبقتها مرحلة تأسيسية إمتدت من العام 1908 حتى العام 1920.

وفي العام 1920 وضع الأب هنري لامنس (المستشرق البلجيكي) كتاب «مختصر تاريخ سوريا» بتكليف من الجنرال غورو، وعرض فيه لتاريخ سوريا منذ القدم حتى بداية عهد الإنتداب الفرنسي، بهدف إيجاد هوية قومية لمنطقة النفوذ الفرنسي بعد إنتهاء الحرب العالمية الأولى، محاولاً التمييز بين تاريخ سوريا وتاريخ العرب.

وفي كتابه أرسى لامنس نظرية الوطن الملجأ، وكان يعبّر عن السياسة الفرنسية التي كانت متأرجحة بين إيجاد دولة واحدة تضم سوريا ولبنان تحت الإنتداب الفرنسي أو إقامة دولتين بعد تأسيس كيان لبناني منفصل عن سوريا.

لم يقتنع المسلمون بوجود دولة لبنانية ذات تاريخ منفصل ومميّز عن محيطها، خاصة بعد تغيير الواقع الذي عاشوا خلاله طيلة ثلاثة عشر قرناً.

بعد إعلان دولة لبنان الكبير، تحوّلت الأنظار الى بيروت العاصمة الجديدة، حيث تحوّلت الى ملتقى للحضارات الغربية والى مركز للمؤسسات الثقافية الكبرى المتمثلة بالإرساليات الأجنبية.

وفي شباط من العام 1923، أرسل وجهاء بيروت المسلمين ومعهم وجهاء طرابلس وصيدا وصور مذكرة الى الجنرال ويغان، يطالبون بموجبها من فرنسا الإنفصال عن دولة لبنان الكبير والإلتحاق بالوحدة السورية وقد وقّع هذه المذكرة عن بيروت كل من: محمد جميل بيهم، محمد جميل الداعوق، محمد عمر نجا، محمد فاخوري، محمد توفيق الهبري، محمد المخزومي، حسن الأسير، سامح فاخوري ومصطفى العريس.

وفي الخامس من كانون الثاني من العام 1926، عقد وجهاء المسلمين إجتماعاً في جمعية المقاصد الإسلامية حضره: أحمد عباس الأزهري، حسن الأسير، حسن القاضي، حليم قدورة وغيرهم، وقد وضعوا مذكرة قرروا فيها بالإجماع طلب الإلتحاق بالوحدة السورية ورفض الإشتراك في صياغة الدستور.

في السادس عشر من تشرين الثاني من العام 1933، عقد مؤتمر الساحل في دارة أبو علي سلام في المصيطبة، وقد حضره وفود من بيروت وطرابلس وصيدا وصور وجبل عامل، وتم رفع مذكرة الى المفوض السامي الفرنسي دي مارتل، بموجبها حصل تطوّر في موقف وجهاء بيروت بالإستعداد للإعتراف بالجمهورية اللبنانية شرط المساواة والعدالة.

وفي العاشر من آذار من العام 1936، عقد مؤتمر الساحل والأقضية الأربعة في دارة أبو علي سلام في المصيطبة وحضره حوالى مائة شخصية إسلامية ومسيحية، وكان هذا المؤتمر تحوّلاً كبيراً نحو الإعتراف بالكيان اللبناني، وتخفيف حدّة المطالبة بالوحدة السورية.

وفي التاسع عشر من أيلول من العام 1936، وقّعت المعاهدة السورية – الفرنسية، وكانت تكريس لوجود الجمهورية اللبنانية، كما وقّعت المعاهدة اللبنانية – الفرنسية في الثالث عشر من تشرين الثاني من العام 1936 وصدّقها مجلس النواب في التاسع عشر من نفس الشهر، في حين لم تقرّها لجنة الخارجية في البرلمان الفرنسي.

تطوّر موقف بيروت من دولة لبنان الكبير والجمهورية اللبنانية من الرفض الى قيادة معركة الإستقلال، وتوّجتها بثورتها الشاملة في الفترة بين الحادي عشر حتى الثاني والعشرين من تشرين الثاني من العام 1943، حيث تحوّل القصر الجمهوري في القنطاري الى مركز للمقاومة ضد الفرنسيين، وخرجت تظاهرات بقيادة صائب سلام، وكان لافتاً موقف مدرسة الحكمة المؤيّد علناً للإستقلال وتصدّر طلاب المقاصد والحكمة التظاهرات الطلابية، كما خرجت مظاهرات نسائية وشاركت فيها المرأة البيروتية بقيادة إيلين بسترس وإبتهاج قدورة. وذروة العمل الوطني كان بتظاهرات ضمّت شبان من حزبي الكتائب والنجادة.

وفي الثامن والعشرين من تشرين الثاني من العام 1943، أقيم مهرجان في منطقة النورماندي وكان بمثابة تظاهرة وطنية مؤيّدة لحكومة الإستقلال.

وهكذا ظهر تطوّر موقف أهالي بيروت من إعلان دولة لبنان الكبير، من الرفض الى قيادة معركة إستقلال الجمهورية اللبنانية، ليؤكّد على وطنية أهالي بيروت وتشبّثهم بأرضهم.



المحامي زكريا الغول