بيروت - لبنان

اخر الأخبار

10 آذار 2020 12:00ص تفعيل دور الإعلام في تخطيط الانتماء

حجم الخط
ما زلنا نسمع من حوالي نصف قرن ديباجات وقرارات بتفعيل دور الإعلام في تحقيق الانتماء العربي، واحترام حرية التعبير، والحوار الأخوي، وتوثيق الصلات بين الدول العربية وصولاً الى تكاملها ثم الى وحدتها، وإنماء شخصية الإنسان العربي وتحصينها وخلق توازن الأصالة والمعاصرة وغيرها من الآمال التي ما زلنا نردّدها في كل اجتماع.

ونظراً لتفرّد كل دولة عربية بالترويج لسياستها المحلية وضعف الهاجس القومي برغم تكراره في الخطب الرنّانة في المؤتمرات والمناسبات نجد ان التنسيق لا يزال هشّاً على المستوى العربي. وان لجان المتابعة تجد نفسها غير قادرة على تنفيذ ما تم من قرارات وتوصيات خصوصاً إذا تضمن ذلك التزامات مالية لأجل إقرار بعض المشاريع الإعلامية. مع الإشارة الى الاختلافات في تبنّي الرؤى المشتركة. وترجع تلك الاختلافات الى الاضطراب السياسي في بعض البلاد العربية، وهذا يؤثر سلباً على التوجّه القومي في الصناعات الإعلامية المشتركة.

من جهة أخرى فقد نظر العرب كثيرا في الهم الإعلامي. وحفظوا مئات الدراسات ونشروا العديد من المقترحات لتجديد الإعلام العربي. ولكن لا يزال هذا الإعلام بحاجة الآلية المشتركة ذات الأبعاد الديمقراطية. كما انه بحاجة الى نفض ثوب المعالجات الفوقية والتنفير الدعائي الذي يأتي دوما بنتائج عكسية.

اننا نعيش اليوم ذروة ثورة التكنولوجيا. وعليه يجب أن تنبع توجهاتنا من هذا الواقع، ونحاول إحداث تغيير جوهري في الأساليب المتبعة حتى في العقليات التي ما زالت توجه الإعلام منذ الستينات. كما ان من المؤسف أن تكون التوجهات الإعلامية تكتيكية مرحلية دون أن تكون سياسات ثابتة. وهذا ما نراه في صياغة بعض القرارات والمطالبات العربية عندما تحدث هزّات سياسية واجتماعية هنا وهناك.

هذا وإن المتتبع لخطى ثورة التكنولوجيا والمعلومات المتسارعة يرى بوضوح ان الخبر اليومي صنيعة وكالات الأنباء الكبيرة والشبكات الاميركية والأوروبية، وهي بالتالي تخدم توجهات دولها وأهدافها، وان وسائل الإعلام العربية تعتمد أخبارها من مراكز صناعتها ان في الإعلام المرئي أو السمعي أو المقروء. من هنا يواجه الإعلام العربي تحدّياً سياسيا خطيراً يتمثل في مصدر الأخبار وتوجهاتها المخطط لها بمهارة. وهذا ما ينعكس على الرأي العام العربي بوجه عام. وهنا تبرز الضرورة لتدخّل الإعلاميين العرب للتمحيص الدقيق في هذه الأخبار وإعادة صياغتها بما يتلاءم وتطلّعاتهم وأهدافهم السياسية والاجتماعية والحضارية. كما تبرز الضرورة الملحّة الى إنشاء وكالة أنباء عربية موحّدة قوية تعتمد أحدث الوسائل المتطوّرة في بلدان القوى الكبرى، وتخدم الطموحات المرجوّة في الوطن العربي، وتعمل على صناعة الخبر العربي المستقل بمفرداته العربية لتشكيل رأي عام عربي موحّد يساعد على إقامة البنية الأساسية لمجتمع مدني متقدّم تشارك فيه أوسع الشرائح الاجتماعية العربية، وكذلك حماية المواطن وتحصينه من ثورة المعلومات الزاحفة بقوتها وخطورتها، والتدقيق بالمصطلحات التي ترمي إليها القوى الظهيرة لهذه الثورة.

إذن فان الإعلاميين العرب يواجهون تحدّيات عديدة وخطيرة شأنهم في ذلتك شأن المواطن العربي. فالعولمة، والتكتلات الكبيرة، وصناعة الأنباء ، والتحكم في السوق العالمية، هي من أهم ملامح بدايات القرن الواحد والعشرين. ولن يكون للعرب حضور معافى وقوي في هذا القرن إلا بالتنسيق والتكامل في جميع الأصعدة وفي طليعتها الإعلام ورفع شأنه داخل الوطن العربي وخارجه. علما بأن العرب يتمتعون بطاقات بشرية ومادية وروحية كبيرة وواعدة إذا تمكنوا جيدا من إدارتها بحيث تلبّي طموحاتهم في الاستقلال التام والتنمية الشاملة التي تعود على الوطن العربي بفوائد جمّة تفتح له خيارات جديدة وآفاقاً للتطوّر لتأدية رسالته الحضارية التي سبق له أن حمل لواءها. وسيكون للإعلام العربي دور بارز في مواجهة التحدّيات التي تواجه العرب من خلال خطاب إعلامي مدروس ومتوازن يأخذ بعين الاعتبار المتغيّرات كافة والأهداف التي يناضل لتحقيقها الإنسان العربي في كل أرجاء الوطن العربي.