ظاهرة بدأت تأخذ موقعها على الخريطة الثقافية تبشّر بنوع من التغيير في نوعية النشاط الثقافي وبقاع انتشاره.
بلديات عدّة أدرجت في برامج عملها أنشطة ثقافية متنوّعة من أمسيات وندوات وتكريم مبدعين الخ... بعد أن كان نشاطها بهذا الخصوص محصور بالمهرجانات الصيفية التي يغلب عليها الطابع الغنائي الموسيقي.
تغيير إيجابي كان يجب أن يحصل منذ زمن بعيد، لكن أن تصل متأخّراً أفضل من أن لا تصل أبداً..
لكن الملاحظ ان هذه النشاطات تكاد تكون صورة طبق الأصل عمّا نراه في العاصمة والحواضر حيث تقم بها تجمعات تعاني من عدم الموارد المالية والدعم بينما لدى البلديات من هذه الإمكانيات ما يكفي لأن تكون هذه الأنشطة أكثر فعالية ان من حيث الكم أو النوع والأهم النوع.
من حيث المبدأ ان انتشار العمل الثقافي على كل أرض الوطن، قد يكون هو السبيل الأفضل لرفع مستوى الوعي الثقافي الوطني وبالتالي تأثير هذا الوعي على الوضعين الاجتماعي والسياسي وبذلك بداية لتغيير منشود لم يُعثر بعد على الأسلوب الأمثل للوصول إليه.
لكن هناك ناحية مهمة يجب التوقف عندها..
البلديات هي مؤسسات يتم وجودها عن طريق الانتخاب وبالتالي لا يُمكن فصلها عن الوضع السياسي الحاصل في البلد، وبالتالي تأثيرات هذا الوضع على قراراتها وأنشطتها.
فهل يُمكن للنشاط الثقافي الذي تقرره هذه البلديات أن يكون متحرّراً من التأثير السياسي، بمعنى آخر التجيير السياسي أو بمعنى أكثر وضوحاً التبعية السياسية؟!..
قديماً قيل ما دخلت السياسة مكاناً إلا وأفسدته وهذا ينطبق بالتأكيد على النشاط الثقافي.
لذلك فالمطلوب من المشرفين على هذه الأنشطة في البلديات أن تعمل بعيداً عن هذا التجيير وهذه التبعية كي لا يذهب الجهد جزافاً.
هل هذا ممكن؟..
هو ممكن بالطبع إذ ان للثقافة فضاء مستقل يُمكن التحليق والتحرّك في فضائه بعيداً عن وحول الواقع السياسي وسلبياته.
عندما يُمكن تقديم العمل الثقافي المنشود الذي يساهم كما سبق القول في رفع مستوى الوعي الثقافي وبالتالي السياسي وبالتالي الوطني..
مبادرة تشكر عليها البلديات ويجب دعمها وفق ما سبق قوله في الابتعاد عن أية تأثيرات أو... تبعية لأن هناك تجارب عديدة وقعت في المحظور وعايشنا سقوطها من حيث عدم الفعالية والاستقطاب.
الحرية هي أوكسجين الثقافة... فحافظوا عليه..