بيروت - لبنان

اخر الأخبار

2 آب 2018 12:00ص حجر في المسافة رواية «زرايب العبيد» للروائية «نجوى بن شتوان»

حجم الخط
دخلت الروائية الليبية «نجوى بن شتوان»  في روايتها الصادرة عن «دار الساقي» الى «زرايب العبيد» قبل الاحتلال الايطالي لليبيا من خلال قصة حب جمعت محمد وتعويضة، وتركت للتمرد صفة الابيض والاسود بين الحر والعبد. لنشعر أن العبودية ليست فقط بين العرق الابيض والاسود، بل!  هي في البيت الواحد او العائلة الواحدة التي تستعبد بقراراتها الابناء والاحفاد تحت مسمى الاعراف والتقاليد والمجتمع المحافظ. ليقع «محمد بن شتوان»  فريسة الاب الذي قتل حفيده بايعاز من الام التي اوغرت صدره، وجعلته ضمن سلطتها المخفية التي استطاعت من خلالها التخلص من تعويضة، وتدمير حياة اقرب الاشخاص لقلبها وهو ابنها. فنشهد مفارقات اجتماعية قبل ان تحترق الزرايب. ونعود الى الحكاية مع عتيقة بنت محمد بن شتوان التي تزوجت من يكبرها وتعيش معه حياة  تتصف بالحب والتفاهم،  والمتخطي بجوهره المفاهيم العرقية او الاجتماعية. وبذلك وضعتنا «نجوى بن شتوان»  في اجواء ليبيا عبر الزمن العثماني، وان حررت ايطاليا ليبيا من العثمانيين وانهت العبودية وتجارة الرقيق. الا انه احتلال من نوع اخر. اذ حررت الانسان واستولت على الارض وبفهم لحقائق انسانية لا يطويها الزمن،  وان اختلفت طبيعة الامكنة وامتزجت الطبائع الانسانية بالعادات والتقاليد والقواعد المتوارثة» هذه احدى القواعد الدينية، أي أن يوازي  خطؤك حياة انسان كاملة. «فالموازين الانسانية في الرواية شكلت نوعا من التعاطف الذي انجذب اليه القارىء مع قصة الحب المتناقضة التي بقيت حتى الموت تتجاذب الحدث الماضي وهو ما حدث مع تعويضة والفقي ولم ينساه «محمد بن شتوان» وبسرد فني وفق عدة خيوط حبكتها «نجوى بن شتوان»  مع تاريخية عثمانية ومعرفة كللتها بزرايب العبيد التي تشبه زريبة باسوار عالية . فهل تستحق الحياة الكفاح لانها هبة ثمينة كما جاء في الرواية؟ ام ان الكفاح هو جوهر الوجود الانساني ليبقى حرا ما بقي؟.
معرفة انسانية صقلتها «نجوى بن شتوان» بمفتاح وعتيقة الطفلة التي نشأت على حب عمتها لتعرف انها امها فيما بعد. وما عدو المرأة الا المرأة نفسها التي حاربت وجودها في حياة الرجل،  وبتنافس ترك الزنجيات في صورة الاجهاض المؤلم الذي تسببت به زوجات الاسياد البيض،  تاركة صورة اخرى للمغنية والبنات اللواتي يتعرضن للتحرش من رجال كبار في السن، وقفل الارحام  والمثلية الجنسية المخفية التي مارسها ابن الفقي، واكتشفه محمد ضمن التغيرات  النفسية التي تطرأ عليهم بعد فترة من زمن. لتطغى قصة الحب والتمييز العنصري بشكل اكبر» الحب لا علاقة له بسيد وجارية، بأبيض وأسود، بعربي وزنجي.. تلك حدود بشرية  لا وجود لها في التسري الذي لا يعارضه أحد» رغم ان الدم الابيض المختلط بالدم الاسود اي الهجين غير مقبول في سوق النخاسة التي تعتمد على اللون الاسود كرمز للقوة والعمل الدؤوب. الا ان ذلك لا يعني ان الاسود او الزنجي يمكنه ان يسود في مجتمع يحكمه البيض «عبد أصيل واذا كان العكس فهو خليط لا ينفع للاعمال المجهدة، فاختلاط دمه بالدم الابيض يطيح بسمعة الدماء الزنجية الخالصة المخلوقة للعمل كثيرا وللتحميل كبغال» والاختصار بالجمل  الغنية بالمفاهيم القائمة على الاستعباد اوجزت للقارىء الزمن الذي عاشته بنغازي ومصراته، واكثر المناطق الليبية في الاجواء الاجتماعية والسياسية ومفارقتها» حين يعلم الانسان أن عليه أن يكون ظالما كي لا يتحول الى مظلوم» وهذا الظلم وصل الى الزراريب التي احترقت وكشفت المخفي واظهرت الحقيقة المرة لعتيقة ومفتاح الصبي الابيض الذي عاش مع العبيد، كانه منهم لانه ثمرة خطيئة لا يمكن الاعتراف بها . دون سهو عن ابسط التفاصيل في ما يشبه البحث التاريخي،  ولكن بلغة روائية امتلأت بالمفاهيم الانسانية. 
تصوير حسي لمشاهد تناقضت منها ما اغرقته بالذباب والتطفل والغربال واقفال الارحام والفقر الموصول بزرايب كسجون مفتوحة على حياة العبيد بين الاحرار،  واخر ملىء بالغلو الاجتماعي في العزائم والغنى لطبقات اجتماعية حافظت على مظهرها الاجتماعي،  وان على حساب انسانيتها.  ليختلف مفهوم الحرية في هذه الرواية، ونشعر ان الانسان مستعبد حتى من نفس  توارثت العباءة نفسها التي ارتدتها عتيقة في نهاية الرواية،  عبر رمزية جعلتها  كزمن يستكمل مسيرته ضمنالاجيال باساليب اخرى،  ومعايشات تختلف عن بعضها البعض. لتبقى الذكريات على رمال تحترق اشبه بالزرايب التي احترقت،  وهي التاريخ الباقي والفاضح للجرائم الانسانية العالقة في الاذهان محتفظة بنكهة تراثية ومفردات ذات طابع ليبي استدعتها.  لتكون بنكهة التاريخ الذي اضاءت به على مرحلة مهمة في حياة المرأة الليبية اولا لايقاظ كل ما تبقى وذكرته» نجوى بن شتوان»  في روايتها التاريخية  بنقد اجتماعي ومواصفات البناء الروائي المؤطر بالخيال المعالج. لقضايا لها دورها الانساني المهم وبقيمة موضوعية ذات تقويم فني تطور مع «عتيقة بنت محمد بن شتوان» والجذور او الجذر المتجذر الذي لا يمكن قطعه. الا انه يمكن شحنه بالقيم الانسانيه.