بيروت - لبنان

اخر الأخبار

8 تشرين الأول 2019 12:03ص حضور سياسي وشعبي في ندوة كتاب مشموشي «كمال جنبلاط: أسرار ومواقف»

قراءة إستعادية لمسيرة رئيس الحركة الوطنية وعلاقاته العربية والدولية

الوزير شهيب متحدّثاً ويبدو إلى يساره: رئيس تحرير «اللواء» الزميل صلاح سلام، النائب السابق سعيد، ومؤلف الكتاب الزميل د. مشموشي وريم تقي الدين والنائب بلال عبدالله الوزير شهيب متحدّثاً ويبدو إلى يساره: رئيس تحرير «اللواء» الزميل صلاح سلام، النائب السابق سعيد، ومؤلف الكتاب الزميل د. مشموشي وريم تقي الدين والنائب بلال عبدالله
حجم الخط
برعاية رئيس «اللقاء الديمقراطي» النائب تيمور جنبلاط أقيمت ندوة جامعة من تنظيم الحزب التقدمي الإشتراكي والمكتبة الوطنية في بعقلين وجريدة «الأنباء» لمناسبة صدور كتاب الصحافي الدكتور عامر مشموشي بعنوان: «كمال جنبلاط: أسرار ومواقف» الصادر عن الدار التقدمية وتحدّث فيها، وزير التربية والتعليم العالي أكرم شهيب، النائب بلال عبدالله، النائب السابق فارس سعيد ورئيس تحرير جريدة «اللواء» الزميل صلاح سلام.

الندوة التي أقيمت على مسرح المكتبة الوطنية في بعقلين حضرها: ممثل النائب جنبلاط الدكتور ناصر زيدان، اللواء الركن شوقي المصري ممثلاً الرئيس العماد ميشال سليمان، النائب مروان حمادة، الوزيران السابقان إلياس حنا وطارق الخطيب، طوني أنطونيوس ممثلاً النائب نعمة طعمة، مهدي فواز ممثلاً النائب محمد الحجار، مفوض الحكومة لدى مجلس الإنماء والإعمار الدكتور وليد صافي، اللواء إبراهيم بصبوص، المقدم وائل محمود ممثلاً رئيس أركان الجيش اللواء أمين العرم، العقيد هادي أبو شقرا ممثلاً مدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم، صلاح تقي الدين ممثلاً نقيب محرري الصحافة جوزيف قصيفي، رئيس مجلس إدارة شركة خطيب وعلمي المهندس سمير الخطيب، وكيلا داخلية الحزب التقدمي الاشتراكي في الشوف وإقليم الخروب الدكتور عمر غنام والدكتور سليم السيد، الأمين العام المساعد في تيار المستقبل الدكتور بسام عبد الملك، مفوض الإعلام في الحزب التقدمي الاشتراكي رئيس تحرير جريدة «الأنباء» رامي الريس، مدير المكتبة الوطنية غازي صعب، نائب رئيس لقاء الأساتذة الجامعيين في إقليم الخروب المهندس وجدي الغطمي، نائب رئيس اللقاء الوطني في الإقليم الدكتور مارون بستاني وأعضاء اللقاء، رئيس اتحاد بلديات الشوف السويجاني يحيى أبو كروم، رئيس رابطة مخاتير الشوف محمد إسماعيل، رؤساء اتحادات بلديات ورؤساء بلديات إقليم الخروب والشوف وممثلين عن الأحزاب والقوى الوطنية، مخاتير ورجال دين وشخصيات سياسية ونقابية وتربوية وأدبية، صحافيين وحشد من أبناء المنطقة والمهتمين.

شهيب: محور ساسة العالم

افتتحت الندوة بالنشيد الوطني اللبناني وتقديم من الإعلامية ريم تقي الدين، ثم ألقى الوزير شهيب كلمة فقال: «الأستاذ صلاح سلام، الصديق فارس سعيد والرفيق بلال عبدالله إجتمعوا اليوم لمناقشة كتاب وضعه الرفيق العتيق الدكتور عامر مشموشي «كمال جنبلاط: أسرار ومواقف»، برعاية رئيس اللقاء الديمقراطي الأستاذ تيمور جنبلاط. الأصدقاء، لكل واحد منهم تجربة أو حكاية مع كمال جنبلاط، الذي ارتأى الإشتراكية، والإستقلال، والعروبة، ونصرة فلسطين ومحبة الناس عن سابق تصوّر وتصميم، كما قال عنه الصديق رشيد درباس «ناسك الجبل العربي الذي توغّل في أدب الحياة، والسياسة والمخاطبة، ودخول بيوت الفقراء، وفي أدب السلام، والتحية، والطعام».

وأضاف: «هذا القائد العروبي والوطني الكبير الذي إنتظر في مكانه المكشوف تنفيذ الإغتيال، راضياً مرضياً لرفضه الدخول في السجن السوري الكبير، والذي لا تزال أبوابه مغلقة بإحكام على أصحاب الرأي الحر، والمواطنية الساعية إلى الحد الأدنى من الحرية، والعيش بكرامة، والديمقراطية وتداول السلطة».

وتابع: «لقد حظي الدكتور عامر مشموشي كما الرفيق عزت صافي، أطال الله في أعمارهما، بفرصة لم تتوفر لأكثر من أبناء جيلهما في مهنة البحث عن المتاعب، حيث حاز الدكتور عامر على ثقة المعلم، ومرافقته في العديد من المحطات الداخلية والخارجية أتاحت له التعرّف عن قرب على بعض وقائع وتفاصيل الحياة السياسية التي مرَّت على لبنان والمحيط، والتي كان نائب الشوف، رئيس الحزب و«جبهة النضال الوطني»، وزير الداخلية، حاكم لبنان الإداري، عضو الأسرة الإشتراكية الدولية، صديق عبد الناصر، البرلماني الشديد المراس، تلميذ الفلسفة الهندية، فقيه الموحدين، الموسوعة الفلسفية، كمال جنبلاط محورها الدائم والرفيق عامر بأمانته ظل محل ثقته».

وقال: «بين دفتي كتاب الدكتور مشموشي، يجذب القارئ التبويب التاريخي، منذ بدأ المعلم الشهيد حياته السياسية. وقد إرتقت علاقة الكاتب بالمعلم إلى ما وصفها بعلاقة «المعلم والتلميذ»، مستعيداً حرفية ما قاله الدكتور مشموشي «تشعر وأنك أمام معلم كبير أتى به القدر إلى البشرية لكي ينير لها الطريق إلى السعادة الأبدية».

وتابع: «حاكم لبنان الإداري بعد أن تولّى حقيبة وزارة الداخلية أعلن حربه على الفساد الإخلاقي والإداري، وأطلق مقولته الشهيرة «إن هذه الحرية نرى أنها ستقتل لبنان، لأنها قد هدّمت الأخلاق وهدّمت الدين»، مضيفاً «ما أشبه اليوم بالأمس، الفساد نما وتطوّر وأصبح سمة لازمة من سمات الحياة السياسية، بكل أسف، الفساد الذي واجهه المعلم وكان مسمّى بفساد السلطان سليم لا يقارن بسلاطين اليوم».

وأردف شهيب: «حلم المعلم ودفاعه المستميت عن الديمقراطية، وحرية الرأي والتعبير والمعتقد لم يكن حاجزاً أمام ممارسته السياسية. وها نحن اليوم نعاني ما عاناه نتيجة التفلّت غير المسبوقة في محاولة إبداء الرأي، ومحاولات قمع الأصوات الموجهة نحو مكامن الخلل السياسي والإداري والمالي»، مشدّداً على أننا «لن نتراجع عن مبادئنا في دعم الحريات، حرية الرأي والتعبير، ونجدد رفضنا لمحاولات التدجين أو التطويع».

وتطرق شهيب إلى علاقة المعلم بالرئيس فؤاد شهاب وكيفية تأييد عهده رغم معارضته المبدئية لحكم العسكر، لافتاً إلى أن المعلم «آمن بوجود مشروع بناء الدولة لدى الرئيس شهاب»، وقال: «كم نحن بحاجة اليوم إلى رؤية مشروع بناء دولة، سواء على النموذج الشهابي أو أي نموذج آخر شبيه، بعيداً عن المحاصصة، والتدخّلات السياسية والأمنية صوناً للحريات وحرصاً على عمل المؤسسات».

وقال: «في العلاقات الإقليمية تطرّق الكاتب إلى المبادئ التي آمن بها المعلم وكانت إستمراراً لنهج دار المختارة منذ وجدت. العلاقة مع المملكة العربية السعودية، مع مصر عبد الناصر، مع القضية الفلسطينية التي آمن وعمل وجاهد من أجلها، وقضى شهيدا. وبالطبع أخذت علاقة المعلم الشهيد بالقيادة السورية حيّزا مهما من الكتاب، خصوصا الإجتماع الشهير مع (الرئيس السوري حافظ) «الأسد» الذي وصفه الدكتور مشموشي بالعاصف، والذي إنتهى بدخول القوات السورية إلى لبنان، وما تبع ذلك من مؤامرات على الحركة الوطنية اللبنانية والقضية الفلسطينية، والتي إنتهت بقرار إغتيال سيد المختارة، الذي كان دورها يفوق حجمها، بمثابة الساند لقضايا الإنسانية والتحرّر والعروبة، وإستهدافها مجددا اليوم ليس سوى إستكمالا لما جال في خاطر الكثيرين الذين سقطوا وبقيت المختارة».

أضاف: «أما عن الرفيق عامر مشموشي الذي نحترم ونجلّ، فلا يمكنني سوى توجيه التحية له، ودعوته إلى مزيد مما تختزنه ذاكرته، لما في ذلك من قيمة تستفيد منها الأجيال التي لم تسنح لها فرصة معايشة المعلم والمرحلة السياسية التي مرَّ بها لبنان».

وختم: «قال الرئيس الشهيد رفيق الحريري مرة: أن ما من أحد أكبر من لبنان، كمال جنبلاط لم يكن أكبر من لبنان لكنه كان أبعد منه، محور ساسة العالم، لم يكن نائبا أو وزيرا أو سياسيا في المعارضة فهو ركن الدولة غير المرقم، الأساس في صناعة الرؤساء، صوته لم يكن عادياً في البرلمان بل الصوت الفاصل داخل وخارج البرلمان، تتحرّك من حوله الأشياء وهو الثابت، عاش حياته بين البسطاء. كان أبعد من لبنان، والأقرب إلى لبنان، «فهنيئا للذين تقمّص بهم» كما قال الكاتب الأنيق سمير عطالله».


مقدمة الحضور الحاشد في المكتبة الوطنية ببعقلين (تصوير: جمال الشمعة)


عبدالله: أكثر يسارية وعلمانية

ثم تحدث النائب بلال عبدالله فقال: «الدكتور عامر مشموشي هو لا شك واحد من الرفاق ممن كان لنا شرف صفة تلامذة عندهم، الدكتور عامر مشموشي، الرفيق نائب رئيس الحزب أنور الخطيب، الرفيق المرحوم علي ملحم، الرفيق خطار السيد والرفيق علي جابر، هذه قلّة من خيرة كوادر ورفاق إقليم الخروب - ساحل الشوف الذي كان له في قلب كمال جنبلاط وما زال في قلب وليد جنبلاط الكثير من المحبة والترابط والتواصل والتكامل والذي استمر مع الرفيق علاء ترو ومع الرفيق عدنان حسين، ولكن تجدر الإشارة إلى أن الدكتور عامر كان أول وكيل داخلية للحزب التقدمي الاشتراكي في إقليم الخروب».

أضاف: «عندما طلب مني الدكتور عامر أن أكون في هذا الموقع وهذا شرف لي، اضطررنا أن نقرأ الكتاب، وما لفتني في كتاب الدكتور عامر ليس فقط مدى إلتصاقه الشخصي والمهني والحزبي والسياسي بكمال جنبلاط، ما لفتني الصدقية أي عندما يقول انه لسبب ما في إحدى المرات سرّب خبراً لم يكن يجدر به أن يسرّبه، فكان على «مانشيت» إحدى الجرائد، وهذا ولفترة وجيزة آثار حفيظة المعلم الشهيد كمال جنبلاط. وفي أماكن أخرى الدكتور عامر أراد أن يعطي المعلم الصفة الشاملة السياسية والفكرية، وأعتقد أن تلك الذكريات القريبة والبعيدة منها، يجدر بنا جميعا العودة إليها لأن ما نعيشه اليوم ليس سوى استمرار للماضي، فمن يخنق حلمنا اليوم خنق وقتل حلمنا في الماضي، تتغيّر الأوجه والأدوات، ولكن كتب على هذا البلد أن يخسر قيادات أمثال كمال جنبلاط ومن بعدها رفيق الحريري ومن بعدها كل قيادات 14 آذار، وأقول هذا الكلام لتؤكد بأن كمال جنبلاط من بدء ممارسته السياسة، كان ليس فقط عربيا بامتياز وتقدميا واشتراكيا إنسانيا، بل والمهم كان سياديا بامتياز، كان يرفع لكل مرحلة شعار القرار الوطني المستقل، بغض النظر عن ظروف البلد، أكانت المواجهة داخلية أم خارجية ولكن كان دائماً شديد الحرص ألا يؤخذ لبنان في مهب عواصف القوى الاقليمية، سواء إسرائيل أو الأحلاف الأخرى في المنطقة، وهذا ما طبع كل ممارسته السياسية في لبنان من بدء عمله حتى استشهاده، وعندما رفض الدخول إلى السجن العربي الكبير اغتاله هذا السجن كما اغتال غيره من بعد ذلك وكما اعتقد سيغتال أيضاً حلم الناس ووجع الناس وطموح الناس. وعلى الأقل نحن كلبنانيين يغتال طموحنا في أن نكون يوما ما دولة مستقلة قادرة متوازنة تحلم بالحضارة والحداثة والدولة المدنية، فحلم كمال جنبلاط هو أن يكون في لبنان دولة علمانية ونحن نؤمن بذلك، ونحن عندما قرأنا كتاب الدكتور عامر أصبحنا يساريين وعلمانيين أكثر من الأول».

وتابع: «نعود ونؤكد من خلال ما نعلم ومن خلال ما قرأنا مع الدكتور عامر أن هذه الثوابت الوطنية والفكرية والفلسفية كانت وستبقى نبراسا لعملنا في الحزب التقدمي الاشتراكي وفي اللقاء الديمقراطي، نبراسا لعملنا كما كان مع الرفيق وليد جنبلاط وسيستمر مع الرفيق تيمور جنبلاط، ومهما تبدّلت أساليب العمل السياسي، ومهما تمايزت أحيانا لا يغرّنكم أحد إننا كنا وسنبقى في موقعنا الوطني التقدمي الإنساني العابر للطوائف والمناطق والمذاهب على مجمل انواعها».

وختم:» نشكرك دكتور عامر لأنك أرَّخت لمرحلة سياسية كنت قريباً فيها من قامة وطنية وعالمية مثل كمال جنبلاط، هذا التاريخ هو كتاب لنا والأجيال من بعدنا، نشكر لك كل ما أعطيت ونأمل من أمثالك ممن عاشوا كمال جنبلاط أن يكتبوا بعقلهم وضميرهم ما يعرفوه لأن هذه المدرسة كانت وستستمر بوصلة سياسية وفكرية لكل الوطنيين والتقدميين والعروبيين والسياديين في لبنان».

سعيد: علاقة جيل بفكر جنبلاط

أما النائب السابق الدكتور فارس سعيد، فاعتبر أن الدكتور عامر مشموشي «لخّص علاقة جيلٍ بكامله مع كمال جنبلاط. فهو لم يصف علاقته الشخصية وحسب، إنما حاول بنجاح توصيف علاقة جيلٍ حَلِمَ، ناضلَ، آمنَ والتزمَ بفكرِ كمال جنبلاط. وكمال جنبلاط، بهذا المعنى، تجاوز حدودَ الشوف وإقليم الخروب، فلقد استقبلته بجّة والعاقورة وقرى جرود كسروان والبترون وبشري و... كما تجاوز حدود لبنان حتى أصبح رمزاً من رموز مقاومة لبنانية عربية مؤمنة بقضايا الحق والعدالة في عصرنا هذا».

أضاف: «عرفت كمال جنبلاط من صغري من خلال علاقة عائلية، وقرأت عنه الكثير كما سمعت عنه الكثير أيضاً من الذين عايشوه وتقاسموا معه مراحل خطيرة من تاريخ لبنان المعاصر. هاجِسه كان دائماً العدالة والمساواة وبناء الدولة العصرية».

تابع: «يعود الفضل لكمال جنبلاط في مواكبة طموح الشباب الذين رأوا في قضيةِ فلسطين قضيةَ هوية، والذين انتفضوا من أجل إصلاحاتٍ دستورية والذين ناضلوا من أجل عدالةٍ اجتماعية».

وأردف سعيد: «نجح في نقلِ بيئته اللصيقة من محليةٍ لبنانية إلى فضاءٍ عربي وأممي؛ بوضوح، لم يأخذ كمال جنبلاط الدروز إلى تحالفِ أقليات مع الموارنة والعلويين والشيعة وغيرهم، بل حاول أخذَ الجميع إلى عروبةٍ حديثة عصرية متصالحة مع ذاتها. وأخطأ عندما لم يقدّر بكفاية أن مسيرته تخيف النظام العربي اللصيق فدفع ثمن قامته، لكنّه استشهد مرفوعَ الرأس ولم ينحني أمام ظالمٍ أو قاتل. في وداع الكبار قد يكونُ فخرَ السيرِ خلفَهم في السياسة حتى مثواهِم الأخير أكبرُ من الحزن».

وتابع: «أنا فخورٌ بصداقة وليد جنبلاط إبن هذه المدرسة والذي يعود له ولبعض الرفاق، مثل سمير فرنجية وإلياس عطالله ونصير الأسعد وحكمت العيد ونديم عبد الصمد وغيرهم، فضلَ إطلاق انتفاضة الاستقلال. وللمشكّكين أقول: السِتارةُ لم تُسدل بعد واللعبةُ لم تنتهِ! تحية إلى عامر مشموشي، تحية لكم جميعاً رفاقاً أعزّاء، تحية إلى كمال جنبلاط، عاش جبل المصالحة، جبل وليد جنبلاط والبطريرك صفير».

سلام: التاريخ يُعيد نفسه

وكانت كلمة لرئيس تحرير جريدة «اللواء» صلاح سلام فنوّه بالدكتور عامر مشموشي على أمانته الأخلاقية ومناقبيته المهنية وحرفيته في متابعة الملفات والمعلومات الصحفية.

ولفت الى ان مشموشي في كتابه «استطاع أن يرسم ببساطة وعفوية تفاصيل شخصية قيادية فذّة بقيت عصيّة عن الفهم لدى كثير من السياسيين، الذين اعتادوا ممارسة السياسة على طريقة البيع والشراء في سوق النخاسة، في حين كان كمال جنبلاط يعتبر السياسة مجموعة قيم ومبادئ توظف لمصلحة الناس «الغلابى» وغير خاضعة لأساليب العرض والطلب، على نحو ما كان وما زال يجري في الساحات السياسية المتقلبة في لبنان».

وأشار سلام إلى أن «اعجاب الكاتب بشخصية المعلم كان واضحا في كثير من صفحات الكتاب، فهو يجمع في شخصه بين المعرفة الحقيقية والفكر المتوهج والفلسفة وبين رجل الدولة وبين الإنسان المتواضع، معلم كبير أتى به القدر إلى البشرية جمعاء لكي ينير لها الطريق إلى السعادة الأبدية»..

وحول تعلّق المعلم كمال جنبلاط باللون البرتقالي الذي كان يزيّن جدران منزله، حيث كان يعتقد أن هذا اللون يؤشر إلى اقتراب صاحبه من مرحلة ما قبل الزهد، تساءل سلام: «هل لا زال اللون البرتقالي يرمز إلى الزهد عند سياسيي هذا الزمن الرديء؟».

وتوقف سلام عند ثلاثة مفاصل رئيسية في تجربة المعلم كمال جنبلاط السياسية والتي ما زالت مشاهدها تتكرر على المسرح السياسي اللبناني، وكأن التاريخ يُعيد نفسه بأساليب وسيناريوهات متشابهة، وهي: «أولا: تذبذب التحالفات بين السياسيين اللبنانيين: إنقلاب كرامي على جنبلاط نموذجاً، حيث اننا وبعد أربعين سنة ونصف على هذه الواقعة، ما زلنا ندور في نفس الدوامة المفرغة من الذبذبات السياسية والانقلابات التحالفية وتداعياتها الوطنية التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه اليوم من إهتراء وإنهيار.

ثانياً: العلاقات مع القيادة السورية، واكتشاف المعلم كمال جنبلاط لحقيقة الدور السوري الذي حاول الإمساك بطرفي النزاع في لبنان حتى يحكم سيطرته على البلد، وان الدخول السوري إلى لبنان تمّ باتفاق سوري - أميركي مع تغطية سوفياتية مفاجئة. ولفت أنه بعد الخلاف مع دمشق تم اغتيال المعلم كمال جنبلاط في وضح النهار، كما حصل مع الرئيس الشهيد رفيق الحريري ولقائه العاصف مع بشار الأسد، حيث حصل الاغتيال بعد أشهر قليلة من ذلك اللقاء. ثالثاً: لعبة الأمم».

وخلص سلام في مداخلته إلى أن المهم في كتاب عامر مشموشي «أننا نقرأ وقائع مرحلة حرجة من تاريخنا من وجهة نظر موضوعية بعيدة عن الغرضية والافتئات. كمال جنبلاط تاريخ وطن في رجل، لا يمكن اختصاره بين دفّتي كتاب». 

مشموشي يشكر

وختاماً، تحدث مؤلف الكتاب الدكتور عامر مشموشي فشكر رئيس «اللقاء الديمقراطي» تيمور جنبلاط لرعايته وشكر المحاضرين، وقال: «في هذه المناسبة العزيزة على قلبي، اعترف أمامكم بانني عاجز عن التعبير عن غبطتي بهذا اللقاء وعن أسمى آيات الشكر لوجودكم معنا. مهما حاول الإنسان الابحار في عالم المعلم كمال جنبلاط، يبقى عاجزا عن سبر أغوار هذا البحر الشاسع، فكلما أبحرت فيه تكشّفت لك فيه أبعاد جديدة عن عظمة هذا المعلم وسعة أفقه ومداركه وفلسفته التي أساسها الإنسان والإنسانية بكل أبعادها ومداركها».

وتابع: «عرفته سياسياً فذّاً، ومفكراً متّقد الذهن، ومعلماً كبيراً أمثال تلك الفئة القليلة التي وهبهم الله سبحانه وتعالى للبشرية ليعلموا الناس آداب الحياة وأخلاق المعاملة، ومعنى الوجود، ومعاني السعادة في العطاء الإنساني الذي لا ينضب. من المعلم، تعلّمنا أن الطريق إلى المعرفة تبدأ بالطلب الجديّ وبالرغبة الغالية على كل الرغبات للإرتقاء بالإنسان من مرتبة الفكر قائد الحواس والشهوات التي تشدّنا إلى الغريزة الحيوانية للإرتقاء إلى مرئية العقل والوعي اللذين يحرران الإنسان من متاهات الأيديولوجيات والمعتقدات والتصوّرات السابقة البالية».

وأردف: «علّمنا المعلم ودفع بنا إلى التحرّر من أنانية الفكر الذي يتحكّم بحياة الإنسان وعمله وإيمانه لنستطيع تقبّل آراء الآخرين وأفكارهم ومعتقداتهم، وعلّمنا أن الإنسان لا يستطيع الوصول إلى المعرفة إلا إذا استقام سعيه وتجرّدت نيّاته وأفكاره وعواطفه من الأنانية التي هي خطيئة الإنسان الأولى عندها تغمره المحبة التي هي أرقي الطرق للوصول إلى الله ويدرك ان المحرّك لهذا الكون وهذا الإبداع والخلق هو الحب لا الإلزام».

وقال: «علّمنا المعلم ممارسة السياسية بشرف وأخلاق وعدم التخلّي عن المسؤوليات والواجبات تجاه الحياة، فالسياسة ليست شطارة ولباقة وشعوذة وانتهازية أو لعبا على الحبال، إنما هي مسلك شريف لها علاقة بقيادة الرجال وتوجيههم، ولذا قال المعلم الشريف «من والى على عدد من الرجال كان له عقل الكل»، علّمنا أن السلطة علاقة جدلية بين القائد، الموجّه، الحاكم وبين جمهور المحكومين، وفي هذه العلاقة أخذ وعطاء وتنافر واستقطاب وفعل وانفصال في ضوء قيم معنوية ثابتة هي قيم العقل والمجتمع، فإذا لم يتوفر للقيادة هذا السمو في العلاقة، وهذه الأصالة في الانتساب إلى الخير، وهذه الرفعة في تصوّر الفعل لأهداف الحياة وإستيعاب أهداف العيش على حقيقتها فكيف تسلم القيادة من الشطط وكيف تستطيع أن توجه الإنسان وكيف يمكن أن يصحّ للإنسان حكم أو قضاء أو أي سلطان».

وأكمل مشموشي: «علّمنا المعلم أن البحث عن الذات بصدق وإخلاص طلب لتحقيق المعرفة الكامنة في الأعماق منذ بداية الخلق وأدرك ان الله مقيم وراء الكلام والفكر وإنه الصمت النهائي الذي يتراكم عليه غبار الأصوات. من المعلم تعلّمت الشخصية القوية التي لا تلين أمام اغراء ولا تتراجع أمام ضغط أو ليست الحياة كما علّمنا هي للأقوياء في نفوسهم لا للضعفاء» .

وختم: «إن المعلم بحر عميق القرار، كلما أبحرنا في عقله التنوير، نكتشف كم نحن اليوم في لبنان وفي العالم العربي بل وفي العالم بأسره بحاجة إلى هذا العملاق، وإلى تطبيق تعاليمه لكي ترتقي بنا إلى مصاف الرجال الرجال الذين هم أنتم من آمنتم برسالته، وتتابعون مسيرته مع القائد الوطني الرفيق الأول وليد جنبلاط الذي نتعلّم منه الصمود على المبدأ والثبات على الموقف وعلى مواجهة التحدّيات الصعبة بالحنكة والحكمة والدراية، والذي أخصّه بكل الشكر والامتنان على المحبة التي غمرني بها، والتي ساعدتني على إنجاز هذا الكتاب «كمال جنبلاط: أسرار ومواقف»، والشكر موصول للحزب التقدمي ولمفوض الإعلام الزميل رامي الريس ومدير المكتبة الوطنية غازي صعب للجهود التي بذلوها لإنجاح هذا الاحتفال.