بيروت - لبنان

اخر الأخبار

14 آب 2020 12:00ص د. رياض عثمان في روايته «خمسة صبيان وصبي»

حجم الخط
تعلُّقاً بطفولته المتوزعة بين أمه التي ولدَتهُ والأخرى التي أرضعته وربّته، نشأَ الصّبي مصطفى سادساً بعد خمسة صبيان أشقاء، وخمسةٍ آخرين من الرضاعة. شبَّ عتالاً وأعزهُ الطُّموح، وتمكن بعصاميته من أن يصبح تاجراً من أغنياء القوم دون أن يتضخّم إحساسه بذاتٍ مُتفرّدة أو روحٍ متعالية حتى نافس الآغا نفسه، وابتاع منه أرضه ومنزله الكبير. افتأتَ عليه واقعه المقيّد بالمواقف المضطربة لإخوته الخمسة الذين قاطعوه حسداً فبادلهم محبة ومساندة، والمُلتبِس ببشاعة الحرب اللبنانية وقتذاك من دون أن تسحله بقذارة فتنتها بين مسلم ومسيحي، والتي لم تمنع من استثمارها فنياً لتقديم مساحة أخلاقية تتأوّلُ مفهوم المواطنة الصالحة للضناويين بنُبلٍ وموضوعية. ففي روايته «خمسة صبيان وصبي» الصادرة عن دار «كتابي» في بيروت طبعة 2019 يستلهم الدكتور رياض عثمان مقتضيات الواقع الضناوي المتماسك عادات وتقاليد، والمنهك اقتصادياً في مرحلة زمنية بعينها، لينسج شبكة العلاقات في ثنائية الحكاية والخطاب التي شهدت تساوُقَ كليهما معاً في متن النص دون استباق أحدهما للآخر، ما جعل الأحداث طازجةً ومباشرة، آنيّةً واضحة، في ترتيبٍ كتابيّ فني يُحسب للكاتب وهو حقه، تجسيداً للقيم الفكرية المنبثقة عن محاور ثلاثة احتملها النص: النفسية العاطفية، الاجتماعية، والاقتصادية، بمفارقاتها وعوالمها التي فرضت نفسها في حدثي السرد، ولو اتكّأ أحياناً على العلاقة المعرفية بينه وبين بعض الشخصيات أو إحداها كما توحي الرواية. ففي المتن الحكائي أوفى الكاتب بتوظيف عناصر البناء السردي بدءاً بتنويع الأماكن بما هي لوحات مختلفة شغلت حياة الصبي مصطفى وشكّلت امتداداً طبيعياً لها، ثم بترتيب الأحداث بمقتضى الزمان الذي هو العنصر الأول في المتن كتقنية متحوّلة تسوّقُ الواقع روائياً دونما تعقيد، إتصالاً بعد ذلك بتصوير الشخصيات في حيويتها الشعورية والبُعد الروحي الفاقع في بعض مشاهد علاقاتها المعقودة بين بعضها البعض كرفض «أبو خالد» وزوجته تسليم الصبي إلى أهله الحقيقيين إلا بعد سنين عديدة لشدّة تعلقهما به وهو ما تعالقَ بالطبع بالحدود الزّمكانية أعلاه سلباً أو إيجاباً وصولاً إلى المُعطى الناجز لمكونات الرؤية الشاملة للرواية. الخطاب بدوره شكّل منظومة الأنساق التي تمثل حيوية الصّوت السردي في سياقات النص، والتي تجعل لِلُّغةِ سلطة تأثيرية تلقائية في القارئ، بعد كسْر الحواجز النفسية معه في تشكيل فنيّ بالغ الدلالة يصوغه ساردٌ عليم، كليّ المعرفة ، هو الكاتب نفسه. وتمسُّكاً بذلك أشهر د. عثمان أدواته من أجل أن يكتب مفهومه السردي الخاص، الذي خدم النص إرادياً بأجناسٍ تعبيرية مُثمرة: كالمثل الشعبي، والشِّعر، والحكمة، وأغنيات الريف، دون إغراق الرواية بوجهات نظر متعددة قد تُدخِل القارئ بمتاهات التأويل، وتُصدّعُ المأمول منها فنيّاً في إحداثيات السرد.

الحسام محيي الدين