بيروت - لبنان

اخر الأخبار

28 أيلول 2017 12:05ص د. غسّان الخالد «الهابيتوس العربي وقراءة سوسيو معرفية في القيم والمفاهيم»

حجم الخط
يثير الدكتور «غسان الخالد»  في كتابه «الهابيتوس العربي» التساؤلات التي تجتاح المفكر العربي دون ابعاده عن الواقع المحلي او بالاحرى عن كل ما هو ملموس من احداث في المحيط الذي لا ينال رضى الاغلبية الساحقة،  محاولا دكتور غسان الولوج  الى الداخل الثقافي، لنستكشف معه «هذا الداخل الثقافي  المتشكل والمستحضر دائما، يشكل عائقا امام التغيير المنشود،  فهل يحاول الدكتور غسان في كتابه «الهابيتوس العربي»  تشريح الثورة ووضعها تحت مبضع الثقافة التي ينادي بها في كتابه وبقوة يتفق فيها مع «ليفي شتراوس»  واضعا القارىء معه امام «نظرية الحقول» وبمصطلحات ذهنية تتضمن عقليات مختلفة وضمن «اطار تضامني تكافلي يؤدي حتما الى انتاج ذهنية عامة تسود وتتحكم  بانماط التفكير والسلوك» مستبطنا الوضع العربي وما يجري حولنا من اسباب اشعلت الثورات بتأثيرات خارجية مدروسة من كل النواحي الاجتماعية والسياسية وغيرها،  وبموضوعية البنى  وفق تنشيط المعنى الذي هو نتاج  عملية التلقين والتملك،  فهل يمكن اعادة تجارب الماضي في الحاضر بعد تحديث الاساليب المؤثرة من جيل الى جيل؟ 
تطفو القيم والمفاهيم في الفصل الاول والتصنيف الاكاديمي المطروح يندمج مع التبسيط في استدعاء الذهن لتحليل النقاط المتروكة في المصادر واعادة انتاج البنية الذهنية. اذ يمنح القسم الثاني بفصوله الاربعة حجة للدخول في معركة ثقافية تطيح بجدليات الهابيتوس العربي وبتفاوت في المفاهيم الايديولوجية لتشكل الوعي القابل للترجمة الاجرائية،  كما في مقدمة الفصل الاول الذي يطرح فيه البعد عن الغموض «فالقيم الجماعية من حيث المبدأ هي التي تمارس الضبط الاجتماعي على مجموعة افراد» وهذا يستدعي العديد من التساؤلات الفلسفية ذات التفكر بالمفاهيم التي يغزلها دكتور «غسان الخالد» بمغزله الاكاديمي للدخول الى صلب الموضوع بعد تشريح متكامل  يعكس وظيفة الهابيتوس العربي  بالدخول خلسة الى المعنى ليشعر القارىء انه في قارب وسط بحر يجري به نحو  القيم والسلوك  والشحنة الانفعالية للقيم،  وبتفصيل نسبي على اساس الفائدة والمنفعة والاكثر من ذلك القيمة المسيطرة،  ومعانيها المتذبذبة من خلال النظرة الى الاشياء وشدة القيم في الاوامر والنواهي، لتتكون المفاهيم في كتاب «الهابيتوس العربي»  بسلاسة ويقظة ووعي اجتماعي تختلف فيه سياسات التدرج التأليفي ممسكا بالقارىء من البداية الى النهاية  وذلك باثارة ذهنه وحثه على تأمل كل مفهوم وتصنيف يطرحه لتوضيح البنية العقلية العربية والابعاد الحقيقية للفهم مشددا على مبدأ التماسك بتوافق ومواءمة لان «اي خلل في دور الضبط الاجتماعي، كما يراه غورفيتش، سيؤدي حتما الى انهيار المجتمع». فهل يمكن تفادي الانحراف والتفكك والانحلال من خلال الضبط الاجتماعي؟
يحدد الدكتور «غسان الخالد» هوية الهابيتوس العربي بعوامل عديدة فصلها وشرحها بشكل تصاعدي للبنى الذهنية المؤثرة في تشكلات القيم ,وتحريرها عقليا في ذهن القارىء من احادية التشكل،  ومرتكزات الباطن الهابيتوسي المرتبط بالعقلية، وميكانيزماتها المجردة من التفلسف والطوباوية،  وحتى الجدليات السائدة في اصل المفاهيم، فالتأصيل لا يقبل التصنيف.  استنتاجات يقارن بها القارىء مفاهيمه الذاتية التي يستخرجها من مصطلحات هي بمثابة مفاتيح الهابيتوس ومعناه،  وبمقاربات تاريخية تقترن بالجدل السياسي او المجادلة السياسية العقيمة ان صح التعبير موضحا «ان الجدل السياسي في الفكر الغربي هو جدل خلاق وبناء كما يقول معتوق، لانه يحمل استعداداً ذهنيا للانفتاح على الاخر،  في حين انه في الفكر السياسي الاسلامي هو جدل عقيم».  فهل في هذا تخصيص يستند الى المنطق والتحليل؟ وهل الاقطاب المتناقضة تؤدي فعلا الى عدم الصمود؟
بعتمد الدكتور «غسان الخالد» في كتابه على الدقة في الشرح والتحليل ويعوّل على مسألة الحياد والحياد الايجابي في مسألة البوليميك «لان المعادلة في السياسة تتمثل في ان اللاموقف هو موقف»وهو ما يعني الغاء لكل ما يسمى بالمواقف الوسطية .لان الموقف السياسي لا يمكن ان يكون بين بين، فإن لم تكن معي فأنت ضدي. ومسألة الحياد والحياد الايجابي مسألة فيها نظر.»فالمنظور المتمثل في هذه الكلمات هو ابعد من حقيقة لمسها القارىء في هذا الكتاب الغني بالشروحات التفصيلية القادرة على فتح الذهن اجتماعيا وسياسيا للدخول بعدها الى الفصل السابع والاخير بسلام امنين،  لندرك مفهوم الثورة بين الغرب والعرب وصعوبة تعريف كلمة ثورة عند العرب واشكالية الثورة المناهضة او المعاكسة اذ «يعتبر ان الثورة كمصطلح سياسي انما تعني الخروج عن الوضع الراهن وتغييره نحو الافضل او نحو الاسوأ». فهل الثورات العربية انتجت تغيرات في البنى الاجتماعية والتركيبة الاجتماعية؟ 
خوض في مصطلح تعددت معانيه بين الغرب والعرب الا ان «غي هرميه» اعطاه المعنى الذي يفيد بأن كل «قطيعة جذرية تدخل في نمط تنظيم المجتمع». حيث استرسل الدكتور «غسان الخالد» بمعنى الثورة عند الغرب وسمات المفهوم من عنف  وزمنية الثورة والاستغلال والانتهازية الخ..ليتركنا في الثورات المختلفة نتوقف عند حركة الضباط الاحرار واهم انجازات الثورات في مصر وسوريا والعراق،  ليعيد بعدها رسم صورة الواقع العربي في خاتمة انطلاقا من» منظومة القيم السائدة والموروثة من الفكرين القبلي والديني ، وربطها بالمفاهيم المنبثقة عن هذه الثقافة.»  فهرمية سلطة عائلة دين بثلاثيتها تثبت ان الضبط الاجتماعي يحتاج الى قراءة متأنية لمنظومة القيم،  فهل كتاب «الهابيتوس العربي»  هو فعلا معادلة سوسيو  معرفية في القيم والمفاهيم؟