بيروت - لبنان

اخر الأخبار

5 تشرين الأول 2017 12:05ص «رائدة طه» تزرع الخشبة نوستالجيا من حيفا أهلاً وجيراناً.. ووطناً

وحدها تروي.. تتذكر.. وتتقمص شخصيات وتتلوّن ضحكاً وميلودراما..

حجم الخط
منذ أوّل تعارف بيننا في مسرحية «ألاقي زيك فين يا علي» وصورتها لم تبرح خيالنا أبداً لحضورها الطاغي، ونصّها الجريء الذي لا يهاب أحداً، خصوصاً وهي تتحدث عن قضيتها، معتبرة أن ما لا يقال يتحوّل إلى إدانة بحق صاحبه، وتهمة تلاحقه مدى حياته، لذا لا بأس من قول كل شيء لأن الدنيا قصيرة العمر ولا تستأهل الجُبن أبداً.
الممثلة والكاتبة «رائدة طه» تقف وحدها على مسرح المدينة. «وان وومان شو». هكذا إختارت هذه الفنانة أن تخاطب جمهوراً غفيراً جاءها على خلفية ما عرفه قبل سنوات قليلة مع عملها المسرحي السابق الذي تحدثت فيه عن والدها القيادي في منظمة التحرير »علي طه»، وانتقدت فيه بشكل واضح قيادات على تصرفات حصلت معها بعد إستشهاد والدها. هذه المرّة، عام 2017 تعود وفي جعبتها حكايات لا تنتهي من حيفا، من 36 شارع عباس حيفا، تتحدث عن الناس واحداً واحداً بالأسماء، وتروي جوانب من حياتهم كما عرفتها أو سمعتها، بشكل حميمي خاص جداً، عن الأهل صغاراً وكباراً، حيثيات بسيطة من صفاتهم وأفعالهم شكّلت عنصراً رئيسياً في المسرحية الجديدة التي تعتمد على الذاكرة الخصبة لقضية تحفر عميقاً في الذات.
لكن أسفنا كان على الجانب الإخراجي الذي تولاّه «جنيد سري الدين»، فإذا بنا إزاء خشبة خالية من أي ديكور أو إكسسوار، أو حتى شاشة في خلفية المسرح، باستثناء 20 «لمبة» صغيرة في سقف المسرح، تنير جانباً من الخشبة بينما يسلّط ضوء مباشر وقوي على «رائدة» وقت وقوفها لإستكمال مونولوغها، من خلف ميكروفون على ستاند طويل كالمستعمل في الحفلات الخطابية، وهو ما جعلنا نشعر بكثير من الفراغ في شكل وهويّة الخشبة، بمعنى عدم الإهتمام بالتفاصيل، ومواكبتها مشهدياً، والفارق بين الصوت هنا أو هناك، ما أوجد حالة من التساؤل عن الأسلوب الإخراجي الذي اعتمده «سري الدين» في هذا الجانب، أو حتى في سواه طالما أن الفضاء المسرحي الرحب لم يعرف أي حركة مسرحية تنم عن لعبة إخراجية ما في السياق، لأن الفراغ من حول «رائدة» كان قاسياً جداً ولا يُقبل.
كل ما سبق حتّم على بطلتنا أن تبتكر، طالما أنها صاحبة النص والعارفة بتفاصيله وتقدر على التنويع فيه بأي  طريقة تجدها ملائمة، فرقصت، ورفعت صوتها، بكت وضحكت، ثم مسحت حزنها بكلام ربما كان يقال لأول مرة «كان على الفلسطينيين أن لا يرحلوا عن فلسطين عام 1948 « وهو ما إستدعى مباركة جماهيرية حارة تصفيراً وصراخاً وتصفيقاً، بينما إنشغلت «رائدة» بالحديث عن الجيران والأصدقاء الذين كانت لهم إسهامات عديدة في جعل التذكر مسألة ذات أبعاد متساوية ما بين الأحداث الكبيرة، وتلك التي تحصل عفوياً في أماكن التجمع والتلاقي الصغيرة التي لا تضر في شيء.
«36 شارع عباس حيفا». مسرحية تحلق فيها بطلتها على إرتفاع منخفض فوق الشارع الذي عرفته في حيفا، راصدة كامل التفاصيل التي تؤشّر إلى صورة الحياة التي كانت سائدة في الأراضي المحتلة قبل أن يُخضعها الإحتلال لسلطته وطغيانه منذ العام 48. أسماء وأسماء لا تنتهي، و«رائدة» تشرح وتؤكد وتبني الأمور كما تستحق أن تكون وأكثر، من هنا مصدر ثراء المادة بين أيدينا، فمنها الأساس في الحكاية، ومنها التفاصيل حين تتدفق المخيّلة بالصور، ولا يعود هناك من مجال للتوقف عن إسترجاع هذه اللقطات من الوطن، وهو حاضر أمام أهله لكنه مسلوب، لا مجال معه اليوم إلا التعامل معه بأحلى الصور والذكريات.