بيروت - لبنان

اخر الأخبار

6 آب 2020 12:03ص رحيل الأديب جان كميد

الأديب الراحل جان كميد الأديب الراحل جان كميد
حجم الخط
لرحيل الأديب الكبير جان كميد وقع أليم في نفوس جميع الذين عرفوه وأحبّوه.
كان نشيطاً إلى أبعد حدّ من النشاط على الرغم من هدوئه الظاهر. فلم يكن يهدأ عن العمل والكتابة وكأنه أنكر انّ لجسده الحق في التمتّع بأقساط الراحة.
تميّز نشاطه الهادئ الهادي الرائع بتفكير عميق منسّق. وكان محبّاً للآخرين ومحبته هذه روحية متجردة خيّرة. وقد حملته محبته على الاهتمام بأسرته النموذجية فتجلّى مثالاً حيّاً لها وللمقربين في كل تصرفاته.
عرفته مستسلماً لمشيئة الله، قنوعاً، صبوراً، لا يتذمّر ولا يتململ. وهذا لا يعني انه كان كسولاً، اتكاليّاً. تجلّى في عمل دؤوب حتى الإرهاق.
لم يردّ سائلاً ولم يجرح أو يؤذي ملتمساً. ولم يكنز لنفسه «كنوزاً على الأرض حيث العثّ والصدأ يتلفان، وحيث اللصوص ينقبون ويسرقون»، بل اكتنز لنفسه في السماء ودنيا الخلود حيث لا يتلف عثّ ولا صدأ، وحيث لا ينقب لصوص ولا يسرقون.
عاش معطاء في روحه وأدبه المتعدّد الأوجه، وفي صبره وجلده على سماع الآخرين والإصغاء إليهم، ليبلسم جرحاً وينشّط نفساً ويسير إلى جنب متقاعس متردّد، لا يخاصم ولا يصيح، ولا يسمع أحد صوته في الساحات العامة، لا يكسر القصبة المرضوضة، ولا يطفئ الفتيلة المدخنة، إلى أن يقود الحق إلى الغلبة.
مَن طرق باب منزله في الحارة التي قُدّت من صخر (حارة صخر/ جونيه)، وعاد مرذولاً، مخجولاً؟ من سألهُ حاجة أدبية أو سواها وعاد صفر اليدين؟ مَن دخل مكتبه في بيت الشعب ببعبدا حزيناً، كئيباً، يائساً، ولم يخرج فرحاً مرتاحاً وقد روي من طمأنينة قلبه وبسمة ثغره واشعاع محيّاه؟
تجلّى أديباً خطيباً، مطلعاً على أمّات الكتب والتيارات الفكرية والعلمية. قرأ وترجم ودبّج المقالات النقدية في غير مجلّة...
لم يلتوِ له عود ولم يُمارِ ولم يُحابِ الوجوه.. لم يَهَبْ، على دماثة أخلاقه، أن يقول الحقيقة، ويكشف عن الداء يصف له الدواء الناجع بالقول وبالمثل الصالح، فارشد واقنع! ذلك ان الجمل الداخلي والصفاء النفسي والقربى من الله، لا بدّ من أن تنعكس جمالاً ورونقاً وصفاء على ما يصنعه الإنسان.
هذا هو، في اقتضاب المُترَهْبِن لأسمى القضايا وأنبلها، الذي خسرناه جسدياً على الأرض الملوّثة على غير صعيد، وكسبناه شفيعاً ومثالاً لنا في السماء. انه الأخ الأكبر والصديق الصدوق والرفيق الحبيب الذي جاهد الجهاد الحسن، وحفظ الإيمان، خرج من جذور ملؤها التقوى والعلم، فكان أميناً على الوزنات ذا همّة شماء!
ما جئت هنا لأرثي أديباً وناقداً قد مات، وإنما جئت أكرّم الفضائل والمزايا والمناقب والتساميات. وعسى أن تظلّ شريكة حياته الفاضلة نوال بجّاني وسائر الآل على خطاه لطفاًً ودعة ونقاءً.
د. جهاد نعمان