بيروت - لبنان

اخر الأخبار

30 تشرين الثاني 2017 12:02ص روبير الصفدي... الناقد والمؤرخ والباحث الفني وصاحب أغلى مكتبة فنية

حجم الخط
قبل حلول شهر رمضان المبارك 2003 بأيام معدودة، اتصل بي المخرج الصديق سيمون أسمر وكان يشغل صفة «المسؤول عن برامج المنوعات في المؤسسة اللبنانية للإرسال - LBC، وسألني عن مدى استعدادي لإعداد برنامج رمضاني ثقافي - فني لحساب LBC، يتواءم مع رمزية وخصوصية الشهر الكريم، واعلمني ان مُـدّة البرنامج ستكون ساعتين يومياً، وعلى مدى 30 يوماً؟!.
ولأن الوقت كان داهماً ولا يفصلنا عن بدء الشهر الكريم الا بضعة أيام، ولأن مثل هذا البرنامج سيحتاج حتماً إلى تحضير خاص ليأتي على قدر الآمال، طلبت من المخرج الصديق منحي 24 ساعة للرد، وخلال هذه الساعات، كنت اعقد اجتماعات متواصلة ومكثفة مع الزميل والصديق حسين نصر الله (رحمه الله)، وكان يشغل صفة رئيس القسم الثقافي في مجلة «الكفاح العربي» (وما ادراكم ما هو هذا القسم في المجلة المذكورة واهميته في أوساط المثقفين اللبنانين والعرب)، فيما كنت انا مديراً لتحرير مجلة «فن» التي عرفت في الأوساط العربية والمحلية بأتزانها ونقدها البناء، وكانت تصدر عن الدار ذاتها. وقد اتفقنا «حسين» وأنا على قبول عرض LBC وسيمون أسمر، وأن نتعاون سوية في مجال الاعداد لبرنامج ثقافي - فني - ادبي- اعلامي رسمنا معاً خطوطه العريضة وجدولنا الأسماء الـ 21 الأولى التي سنستقبلها في الأسبوع الأوّل، وضمت وجوهاً لها وزنها في مجالاتها عربياً ومحلياً، ما شجع المشاركين الباقين الذين اتصلنا بهم من أجل استضافتهم، على تلبية الدعوة سريعاً، ودون قيد أو شرط.
واذكر ان البرنامج حمل العنوان الذي اقترحته بالتفاهم مع الزميل الصديق «حسين»، وهو: «رمضان كريم» وقصدنا به إبراز الإمكانيات الثقافية والفنية على تنوعها، والتي يمكن للشهر الفضيل الانسجام والتكامل معها واستيعاب مضامينها، بسبب التزامها بالأصول والتقاليد والعادات التي كانت العنوان الأبرز في كل حلقاتنا.
ومن بين الأسماء التي اخترناها، اسم الدكتور روبير الصفدي (غفر الله له) وكان على وشك الانتهاء من وضع مؤلفه الأوّل «تاريخ الموسيقى العربية» الذي صدرت طبعته الأولى في العام 2004، كما كان يستعد للإنخراط بالتجهيز لمؤلفيه الآخرين «اعلام الأغنية اللبنانية» - صدر في العام 2006، والجزء الأوّل من «اسماء خالدة» - صدر في العام 2008، لكن القدر كان أسرع، وحيث اسلم روبير صفدي الروح لباريها قبل ان يتسنى له تحقيق بقية الأمل.
والدكتور روبير الصفدي يعتبر أحد أبرز المؤرخين للحركة الفنية الغنائية الموسيقية في لبنان والوطن العربي، ولد في بلدة كفرشيما اللبنانية من أب موسيقي (يوسف الصفدي) انضم للفرقة الموسيقية في اذاعة لبنان العام 1950 كعازف كمان وبذلك كان من أبناء الجيل الثاني المؤسس للحركة الموسيقية في لبنان... اما الموسيقار حليم الرومي، فهو زوج خالة روبير الصفدي، وقد يكون للبيئة التي عاش فيها المؤرخ الكبير اثرها في تكوين مسيرته الحاضنة لنشأته وانحيازه للثقافة والفنون، وهو حامل شهادة الماجستير في إدارة الأعمال وكان المدير العام لشركة جنرال موتورز - الكويت لزهاء 30 سنة.
روبير صفدي، وقبل ان ينتقل إلى لبنان في العام 1983 أمضى معظم أيام النشأة والشباب، باحثاً ومنقباً عن كل ما هو نادر في عالم الغناء والموسيقى والتلحين، وأول اسطوانة اشتراها، وكانت النواة الأولى للمكتبة الموسيقية الضخمة التي خلفها بعد رحيله، وتضم زهاء الـ 5 مليون اسطوانة وتسجيل (ما عدا الاشرطة)... كانت أوّل اسطوانة بصوت محمّد عبد الوهاب (يا مسافر وحدك)..
غفر الله لهذا الناقد والمؤرخ والباحث الفني، فقد غادرنا، تاركاً لنا نحن المهتمين بالثقافة الفنية على تنوعها، ارثاً حضارياً لا يقدر بثمن، نتمنى ان تسارع وزارة الثقافة إلى الاطلاع عليه، والإفادة منه، بعد ضمه إلى مكتبتها، ان هي استطاعت لذلك سبيلاً..


abed.salam1941@gmail.com