بيروت - لبنان

اخر الأخبار

3 تشرين الأول 2019 12:14ص «شامِل ومِرعي» - الحلقة الثانية - قصَّة نجاحٍ وحكاية عن «مسكوت عنه» من التَّاريخ الثَّقافي في لبنان

شامل ومرعي شامل ومرعي
حجم الخط
إنَّ المادة التاريخية عن محمد شامل، في هذه الدراسة، مستقاة من تحقيق أجرته الصحافية السيدة دانيا يوسف؛ وجرى نشره في عدد من المواقع الإلكترونية. والمادة التاريخية عن عبد الرَّحمن مرعي، مستقاة من لقاء شخصي أجريته مع ابنه المهندس ربيع مرعي، في دارته في شارع فردان في بيروت، بعد ظهر يوم الجمعة 30/12/2016. والمادة التاريخية عن بعض الأحداث المتعلقة بالمسرح اللبناني، مستقاة من كتاب «المسرح اللبناني في نصف قرن»، للأستاذ محمَّد كريِّم، منشورات دار المقاصد، بيروت، سنة 2000.

 ما أن اشترك «محمَّد شامل الغول» و«عبد الرَّحمن مرعي» في بعض أعمال التَّمثيل المسرحيِّ للهواة، ضمن نشاطات «جمعيَّة الكشَّاف المُسلم»؛ حتَّى «شهدت سنة 1928 أوَّل ظهور مسرحيٍّ لهما أمام «جمهور عامٍّ». كان هذا الظهور مع مجموعة شبابٍ، من أبناء بيروت المثقَّفين، انضمُّوا إلى فرقة «منتدى التَّمثيل والرِّياضة»؛ وكان هذا المنتدى، برئاسة «نور العويني»، ومن بين أعضائه «محمّد شامل الغول» و«يوسف سوبرة» و«طه بعلبكي» و«عبد الرَّحمن مرعي» و«محمّد جمعة»؛ وقدَّمت هذه الفرقة مسرحيَّة عنوانها «ثَعْلَبَة»، على خشبة مسرح أقامه أعضاؤها ضمن على أرض لا بناء عليها، وبتعبير البيارتة «بُورَة»، في منطقة «زقاق البلاط» من بيروت.

أنضمَّ، «محمَّد شامل الغول»، حوالي سنة 1930، إلى «جمعية ترقية التَّمـثيل الأدبي»، التي كان قد أسَّسها الصحافي والأديب الأستاذ «أحمد دمشقيَّة»؛ وكان ظهور لافت لشَّباب هذه الجمعيَّة، من أبناء بيروت، بمشاركتهم الأساس في تقديم مسرحيَّة حملت اسم «بيروت على المسرح»؛ وضعها الأستاذ أحمد دمشقيَّة، وقُدِّمت من على «مسرح الكريستال» في بيروت. 

يروي الأستاذ شامل، عن هذه المحطَّة من مسيرته، أنَّ «سوق التَّمثيل» لم تكن رائجة، زمنذاك، ولم تكن لتلاقي إقبالاً جماهيريَّاً لافتاً؛ الأمر الذي اضطر معه أعضاء الفرقة إلى القيام بجولات، على بعض المتاجر والمنازل، للتَّعريف عن عملهم المسرحيِّ، ولتَسويقِ ما يمكنهم بيعه من بطاقات حضور تلك المسرحيَّة. 

يبدو أن شباب بيروت هؤلاء، ومنهم، كما يذكر الأستاذ محمَّد شامل لاحقاً، «محمَّد المشارقي» و«شفيق القاطِرجي» و«محمَّد اللّاز» و«عبد الرَّحمن مرعي» و«خُضر العيتاني» و«إبراهيم رُشدي» و«بدر تَميم» و«رشاد العريس»، تمكَّنوا من إحرازِ شهرةً بتقديم تلكَ المسرحيَّة، ذات الطَّابع التَّراجيدي؛ وإن لم يحصِّلوا من هذا النَّشاط ربحاً ماليَّاً على الإطلاق. ورغم هذا، فسرعان ما عرَّب الأستاذ دمشقيَّة، عن الفرنسيَّة، نصَّاً مسرحيَّاً تراجيديَّاً، يدور حول مكائد العرشِ الفرنسيِّ زمن الملك «لويس الثَّالث عشر»؛ حين كانت السُّلطة الأساس، في القصر الملكي، بيد «الكاردينال مازاران»؛ الذي عمل على إخفاء أخٍ للويس الرَّابع عشر في سجنٍ منعزلٍ، واضعاً وجه الأخ السَّجين، إمعاناً في إخفائه، خلفَ قناعٍ حديدي؛ وكان أن أسند دور «الكاردينال مازاران»، في هذه المسرحيَّة، إلى الشَّاب «محمَّد شامل». لم يلبث حبل المسرحيَّات التراجيديَّةِ هذا، أن أمتدَّ؛ وكان يحمل معه هؤلاء الشبَّان البيارتة، ومعهم محمَّد شامل، عبر مسرحيَّات عربيَّة أو معرَّبة، لأساطين المسرح العربي، عهد ذاك، أمثال «يوسف وهبي» و«جورج أبيض» و«فاطمة رشدي». وكان أن أقدم، هؤلاء الشَّباب، من ثمَّ، على عرضِ نصِّ مسرحيَّة «الهاوية»، للأستاذ «محمود تيمور»، بإخراج مسرحيٍّ من وضعهم؛ إذ لم يكونوا قد خبروا من هذه المسرحيَّة سوى نصٍّ مطبوع لها في كتاب منشورٍ حصلوا عليه.

انشقَّ، مع مطلع أربعينات القرن العشرين، مجموعة من أعــضاء «جمعية ترقية التَّمـثيل الأدبي»، بقيادة «رشاد العَريس»، عن الجمعيَّة؛ وألفوا، في ما بينهم، جمعيَّة جديدة تهتم بالنَّشاط المسرحيِّ، حملت اسم «أسرة بيروت»؛ وانضمّ اليهم أعضاءٌ جددٌ؛ كان منهم «صلاح عَبُّوشي» و«محمَّد النَّقَّاش» و«مأمون أياس» و«محمود الحبّال» و«أنطون ربيز»؛ ولم يعنِ هذا خصاماً بين الجمعيتين على الإطلاق، بل كثيراً ما تشارك أعضاءٌ من الجمعيتين في أعمال مسرحيَّة واحدة. ما أن حطَّت سنوات «الحرب العالميَّة الثانيَّة» رحالها، في منتصف أربعينات القرن العشرين، حتَّى كان عقد «جمعية ترقية التَّمـثيل الأدبي» قد انفرط، وذهب أعضاؤها كلٌّ في سبيل اختطَّه لنفسه؛ ويبدو أنَّه لم يتبقَّ من هواة التَّمثيل النَّاشطين من هؤلاء الشَّباب سوى «محمَّد شامل» و«عبد الرَّحمن مرعي». 

يبدو أن «محمَّد شامل» و«عبد الرَّحمن مرعي»، بعد انفراط عقد «الجمعيَّة» وتوقف نشاطها المسرحيِّ، ظلاَّ يهجسان بالوقوف على خشبة المسرح؛ لكن من أين لهما تحقيق ما يهجسان به، في الوقت الذي لم يعد ثمَّة فرقة مسرحيَّة تضمهما إليها؛ ولعلَّه لم يكن ميسوراً لهما ماليَّاً، عشيَّة خروج النَّاس في لبنان من ويلات «الحرب العالميَّة الثَّانية»، أن يؤسِّسا فرقة مسرحيَّة كاملة ويؤمِّنا لها احتياجاتها. كان «محمَّد شامل» و«عبد الرَّحمن مرعي»، بحكم خبرتهما في نشاطاتهما المسرحيَّة، في «جمعية ترقية التَّمـثيل الأدبي»، منغمسين في الأجواء المسرحيَّة للتراجيديا؛ وقد أتقن كلُّ واحدٍ منهما أدوات الفن التَّراجيدي وكيفيَّات العمل المسرحيِّ. ولعلَّ طلباً وردَ إليهما للمشاركة في احتفالٍ كان يجري التَّحضير له، آنذاكَ، في قاعة «الوست هول» West Hall، في «الجامعة الأميركيَّة في بيروت»؛ ساهم في وصولهما إلى حلٍّ يرضي طموحهما، وإن كان سيُحدِثُ تغييراً ما في مسيرتهما الفنيَّة.

رأى «محمَّد شامل» أنَّ بإمكانه، ولمَّا لم يبقَ، كما يشير القول الشَّعبيُّ، في «الميدان سوى حديدان»، أن يؤلِّف مع «عبد الرَّحمن مرعي»، لِما بينهما من رفقة مديدة عريقة وخبرة عمل مشتركة وأخوَّة متجذِّرة في وجدان كلٍّ منهما، ثنائيَّاً مسرحيَّاً، يلبِّيان به مشاركتهما في احتفال قاعة «الوست هول» West Hall، في «الجامعة الأميركيَّة في بيروت»؛ ويكون، هذا الثُّنائيُّ، كذلك، بديلاً لهما من وجود فرقة مسرحيَّة كاملة. ويبدو، من جهة أخرى، أنَّه تبيَّن لهذين الصَّديقين الزَّميلين، أن وجودهما معاً، بشكل ثنائيٍّ مسرحيٍّ، قد يوفِّر عليهما، أيضاً، الأعباء الماليَّة والماديَّة التي يتطلَّبُها العمل عبر الفرقة.

فكَّر «محمَّد شامل»، كما يذكر في أحاديثه، بالتَّحول، في هذه المرحلةِ، من «المسرح التراجيدي»، إلى «المسرح الكوميدي»؛ ويبدو أن هذا التَّوجُّه عند الأستاذ «محمَّد شامل» جاء نتيجة عدَّة عوامل، لعل من أبرزها، فضلاً عن أساسيَّة استمراره مع «عبد الرَّحمن مرعي» في العمل المسرحي، فقد يكون العمل الكوميدي، في تقديمه وتوفير إمكانيَّاته، عبر ثنائيٍّ، أشدّ فاعليَّة جماهيريَّة وتكلفةً ماليَّةً من العمل التراجيدي، الذي قد يتطلَّب أكثر من المحدوديَّة العدديَّة للثُّنائي.

العامل الآخر، الذي يمكن أن يكون قد ساهم في فكرة الثُّنائيّ الكوميدي، عند «محمَّد شامل» و«عبد الرَّحمن مرعي»، قد يكون في انتشار أنموذج ما يُعرف بـ «كوميديا الثُّنائيّ»، عالميَّاً، عبر ما كانت تعرضه شاشات السِّينما، من أعمال لـ «لوريل وهاردي» Laurel and Hardy؛ وهو ثنائي كوميدي اشتهر عبر أفلام السِّينما الأميركية، من أواخر عشرينات القرن العشرين وحتى منتصف أربعيناته. تألَّف هذا الثُّنائيّ من الإنجليزي ستان لوريل (1890-1965) والأميركي أوليفر هاردي (1892-1957)؛ ومثَّل فيه لوريل شخصيَّة الصَّديق الخبيث ولكن الطَّفولي لهاردي الرَّصين والطيِّب القلب. وثمَّة ثنائيٌّ كوميديٌّ أميركيٌّ آخر، ظهر في الإذاعة والسِّينما والتلفزيون، وكان من أكثر الفرق الكوميدية شهرة في أربعينات القرن العشرين وحتَّى السنوات الأولى من خمسينات ذلك القرن، ولاقى رواجاً طيِّباً بين النَاس؛ هو ثنائي «بود أبوت ولوي كاستيللو» Bud Abbott and Lou Costello. وقد يكون، من جهة أخرى، لمظاهر بدايات الرَّاحة النَّفسية والاجتماعيَّة للنَّاس، إثر إعلان انتهاء «الحرب العالميَّة الثانيَّة»، وانطلاق زخمِ النُّهوض الثَّقافي الذي شهدته بيروت، وبدأ لبنان يعيشه، ما ترك بصمة له على هذا التَّوجه الذي ارتآه الأستاذ «شامل».

وإلى اللِّقاء، مع الحلقة المقبلة.
  رئيس المركز الثقافي الإسلامي